للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل السابع: "ولأن شهر رمضان عبادة كالصلاة الواحدة، وأيامه كالركعات فيها، ثم كانت نية واحدة تُجزيه لجميع الصلاة، فكذلك يقتضي أنه يُجزئه نية واحدة لجميع الشهر" (١).

الدليل الثامن: وقياسه على الحج، فالحج طوافه وسعيه والوقوف بعرفة, تجزئ فيه نية واحدة عن جميعه، فكذا صيام رمضان تجزء نية واحدة عن جميع أيامه (٢).

الراجح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الثاني: أنه تجزئ نية واحدة لجميع الشهر؛ وذلك لقوة ما استدل به أصحاب هذا القول من أدلة وأقيسة.

وأما ما استدل به أصحاب القول الأول, فيجاب عنه كالتالي:

أولا: أما استدلالهم بحديث «لا صيام ... »:

فقد ذُكِر في أدلة القول الثاني المقصود من الحديث، فلا حاجة للإعادة هنا.

ثانيا: وأما قولهم: إن القضاء يحكي الأداء، فوجب أن يكون ما في الأداء هو نفسه ما في القضاء، فيكون مثله في عدد النيات، فيجاب عنه:

أن هذا غير لازم، ألا ترى أن القضاء يجوز تفريقه، بينما الأداء لا يجوز تفريقه، ولذلك إذا انقطع التتابع لسبب يبيحه، ثم عاد إلى الصوم فلا بد من تجديد النية (٣).

ثالثا: وأما قولهم: إن كل يوم من رمضان عبادة مستقلة لا يفسد بعضها بفساد بعض، ويتخللها الأكل والشرب والجماع في لياليها، وهو ينافي الصيام، فوجب أن يكون لكل يوم نية مستقلة، وقولهم: إنه انتقال من فطر إلى صوم، فوجب أن يكون من شرطه نية تخصه. فيجاب عنه:

أن شهر رمضان بمنزلة العبادة الواحدة؛ لأن النية وقعت لهذا الصوم في زمان يصلح جنسه لنية الصوم, من غير أن يتخلل النية والصوم المنوي زمان يصلح جنسه لصوم سواه, فجاز ذلك؛ كما لو نوى لكل يوم من ليلته. ولأن الفطر في لياليه عبادة أيضا يستعان بها على صوم نهاره, ولهذا شملت البركة لياليه وأيامه, وسمي الفطر ليلة العيد فطرا من رمضان, فعُلِم أن الفطر الذي يتخلل أيامه ليس فطرا من رمضان, فكان عبادة واحدة تجزئ فيه نية واحدة كسائر العبادات. وكون الفساد يختص ببعضه إذا صادفه، لا يمنع كونه عبادة واحدة،


(١) ينظر شرح الخرشي على خليل ٢/ ٢٤٦.
(٢) ينظر: المصدر السابق.
(٣) ينظر: الجامع لابن يونس ٣/ ١٠٧٩.

<<  <   >  >>