وجه الاستدلال من وجهين:
الوجه الأول: البر هو العمل الصالح, فقد بين - صلى الله عليه وسلم - أن الصوم في السفر ليس بعمل صالح, بل هو من المباح؛ فلا حاجة بالإنسان إلى أن يجهد نفسه به (١).
الوجه الثاني: ولأنه لمّا كان الصوم في الجملة مظنة المشقة، بيّن - صلى الله عليه وسلم - أنه لا بر في الصوم؛ لإفضائه إلى هذا الضرر, وإن كان قد يتخلّف عنه في بعض الصور (٢).
الدليل الخامس: عن حمزة بن عمرو الأسلمي - رضي الله عنه -، أنه قال: يا رسول الله، أجد بي قوة على الصيام في السفر، فهل علي جُناح؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هي رخصة من الله، فمن أخذ بها، فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه» (٣).
وجه الاستدلال: أن حمزة ¢ أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه به قوة على الصوم, وأنه أيسر عليه من الفطر, فخَيَّره النبي - صلى الله عليه وسلم - , وذكر له أن الفطر في السفر رخصة من الله من أخذ بها فحسن, والحسن هو المستحب, وأما من أحب أن يصوم؛ فلا جُناح عليه, ورفع الجُناح إنما يقتضي الإباحة فقط (٤) , وهذه إشارة منه - صلى الله عليه وسلم - إلى تفضيل الفطر على الصوم (٥).
الدليل السادس: عن أنس بن مالك الكعبي ¢ أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة وهو يتغدى، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «هلم إلى الغداء»، فقال: إني صائم، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله عز وجل وضع للمسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحبلى والمرضع» (٦).
وجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أخبره أن الصوم موضوع عنه؛ استدعاءً منه للفطر بعد أن أخبره أنه صائم, ودعاه بعد أن أخبره أنهه صائم (٧)؛ فدل ذلك على أفضلية الفطر في السفر.
(١) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام ١/ ٢١٨.
(٢) المصدر السابق ١/ ٢١٩.
(٣) سبق تخريجه صفحة (١٩٦).
(٤) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام ١/ ٢١٦, المحلى ٤/ ٣٩٢، وسبل السلام ١/ ٥٧٤.
(٥) ينظر: المسالك لابن العربي ٤/ ١٩٠.
(٦) سبق تخريجه صفحة (٢٠١).
(٧) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام ١/ ٢٢٦.