للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذه الأحاديث الواردة في محل النزاع تقطع كل احتمال يتوهمه البعض من الآية وترفع كل لَبْس قد يحوم حول دلالتها على عموم الرخصة، سواء لمن شهد بداية الشهر مقيما أو مسافرا (١).

ثانيا: أما ما نقل عن علي - رضي الله عنه - من القول بوجوب إتمام الشهر صائما, فيجاب عنه من وجهين:

الأول: أن الأثر لا يصح عن علي - رضي الله عنه -، كما نقله ابن حجر (٢) عن ابن المنذر (٣).

الثاني: وعلى فرض صحة الأثر: فلعله كان اجتهادا منه, ومعلوم أن النص الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولا أو فعلا أقوى من اجتهاد الصحابي مهما كان قدره (٤).

ثالثا: وأما ما نقل عن عائشة - رضي الله عنها - , فيجاب عنه:

أنه لا دلالة فيه؛ لأن عائشة - رضي الله عنها - تقول: «فلو أدركني وأنا ببعض الطريق، لأقمت»، ونحن مسألتنا إذا أدركه وهو مقيم ثم سافر. ولعل أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - كانت تكره السفر في رمضان مطلقا؛ لما في صومه من عظيم الثواب، وما في قيام ليله من المغفرة والرحمة. فالمسافر وإن رخص له في الفطر، لكنه سيفوته ثواب الصيام في نفس الشهر، وسيفوته قيام ليله المؤدي للمغفرة والرحمة، مما ينبغي الحرص عليه (٥).

والله أعلم.


(١) ينظر: رخصة الفطر في سفر رمضان, مجلة الجامعة الإسلامية العدد ٤٩ ص: ٨٩، وتفسير ابن كثير ١/ ٥٠٣.
(٢) هو: شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد, أبو الفضل الكناني العسقلاني, ثم المصري, من كبار الشافعية, كان محدثًا فقيهًا مؤرخًا, انتهى إليه معرفة الرجال وعلل الأحاديث, تفقه: بالبلقيني, والعز بن جماعة, من تصانيفه: فتح الباري شرح البخاري, وتهذيب التهذيب, وغيرها. توفي سنة ٨٥٢ هـ. ينظر: طبقات الحفاظ ٥٥٢, شذرات الذهب ١/ ٧٤, الأعلام ١/ ١٧٨.
(٣) ينظر: فتح الباري ٧/ ١١.
(٤) ينظر: الإحكام في أصول الأحكام للآمدي ٤/ ٢٠٦.
(٥) ينظر: رخصة الفطر في سفر رمضان العدد ٤٩ ص: ٩٠.

<<  <   >  >>