للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الترجيح: الذي يترجح -إن شاء الله- هو القول الثاني: أنه يجوز إفطار من سافر بعد أن استهل عليه شهر رمضان؛ وذلك لقوة أدلتهم وصراحتها ودلالتها على المطلوب، وحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في سفره - صلى الله عليه وسلم - أثناء رمضان وفطره، نص في جواز ذلك.

وأما ما استدل به أصحاب القول الأول فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بالآية فيناقش من ثلاثة وجوه:

الأول: أن قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (عام) (١) يدخل فيه الحاضر والمسافر، وقوله بعد ذلك: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (خاص) (٢) , "والخاص مقدم على العام" (٣). فثبت أنه وإن سافر بعد شهود الشهر فإنه يحل له الإفطار (٤).

الثاني: أن الله عز وجل قد أمر من شهد الشهر كله أن يصومه، ولا يقال لمن شهد بعض الشهر أنه شهد الشهر (٥).

الثالث: أن معنى الآية: أن من شهد أول الشهر وآخره فليصم ما دام مقيما، فإن سافر أفطر (٦).

ثم إن السُنَّة قد بينت معنى الآية، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد بيَّن المراد منها بفعله في غزوة الفتح، إذ صام أول الشهر بالمدينة، وخرج منها صائما حتى بلغ الكديد ثم أفطر، فكان فعله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الغزوة -وكانت في العام الثامن من الهجرة- يعتبر من التشريعات المحكمة؛ لأن الصحابة كانوا يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره - صلى الله عليه وسلم -.


(١) العام هو: اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بحسب وضع واحد دفعة. ينظر: إرشاد الفحول ١/ ٢٨٧.
(٢) الخاص هو: اللفظ الدال على مسمى واحد، وقيل هو ما دل على كثرة مخصوصة. والتخصيص هو: إخراج بعض ما كان داخلا تحت العموم، على تقدير عدم المخصص. ينظر: إرشاد الفحول ١/ ٣٥٢ , ٣٥٠.
(٣) وهذا نوع من أنواع الترجيح. ينظر: إرشاد الفحول ٢/ ٢٦٨.
(٤) ينظر: مفاتيح الغيب للرازي ٥/ ٢٥٧.
(٥) ينظر: الإشراف لابن المنذر ٣/ ١٤٦، وشرح البخاري لابن بطال ٤/ ٨٦، والمغني ٣/ ١١٧.
(٦) ينظر: تفسير القرطبي ٢/ ٢٩٩، وفتح القدير للشوكاني ١/ ٢١٠، والمجموع ٦/ ٢٦٣.

<<  <   >  >>