للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولا: أما إيجاب الكفارة عليه: فقد أجاب المالكية أنفسهم على ذلك.

فقال ابن عبد البر: "الحجة في سقوط الكفارة واضحة من جهة النظر؛ لأنه متأول غير هاتك لحرمة صومه عند نفسه، وهو مسافر قد دخل في عموم إباحة الفطر. ومن جهة الأثر أيضا" (١).

ثم ذَكَر حديث فطره - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام في حديث فتح مكة السابق.

وقال الباجي: "ولأن صومه انعقد في حالة أُبيح له تركه، فلم يجب عليه كفّارة؛ كما لو أفطر في قضاء رمضان" (٢).

ثانيا: وأما من منعه من الفطر, فيجاب عنه بما يلي:

أما قياسهم الصيام على الصلاة فيجاب عنه: أن بينهما فرقا, وذلك: أن من دخل في الصلاة تامة فإنه قد التزم الإتمام، فلم يجز له القصر؛ لئلا يذهب ما التزمه لا إلى بدل.

وأما المسافر إذا صام ثم افطر، فلا يترك الصوم إلا إلى بدل وهو القضاء، فجاز له ذلك، مع دوام عذره (٣).

وأما قولهم: إنه ليس في حديث ابن عباس - رضي الله عنه - الذي فيه إفطار النبي - صلى الله عليه وسلم - بالكديد دلالة على أنه - صلى الله عليه وسلم - نوى الصيام في ليلة اليوم الذي أفطر فيه، فيحتمل أن يكون نوى أن يصبح مفطرا، ثم أظهر الإفطار ليفطر الناس. فيجاب عنه من وجهين:

الأول: أن سياق الأحاديث ظاهر في أنه - صلى الله عليه وسلم - كان أصبح صائما ثم أفطر (٤).

والثاني: على التسليم بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم ينو ليلا، فماذا يقال في حق الصحابة - رضي الله عنهم -، فإنهم أفطروا بعد ما نووا الصيام بلا شك كما سبق (٥). والله أعلم.


(١) التمهيد ٢٢/ ٥١.
(٢) المنتقى ٢/ ٥٠.
(٣) ينظر: المجموع ٦/ ٢٦١، والحاوي الكبير ٣/ ٤٤٨.
(٤) ينظر: فتح الباري ٤/ ١٨٢.
(٥) ينظر: المصدر السابق.

<<  <   >  >>