للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أدلة القول الثاني: القائلين بالتفريق بين الفرض والنفل؛ فيجوز في النفل طوال اليوم ويكره في الفرض بعد الزوال.

الدليل الأول: عن أبي هريرة ¢ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قال الله: كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به» (١).

وجه الاستدلال: أن الله عز وجل في هذا (الحديث القدسي) (٢) قد خص الصوم بقوله: «لي»، وإن كانت أعمال البر المخلصة كلها له تعالى؛ لأجل أن الصوم لا يمكن فيه الرياء، كما يمكن في غيره من الأعمال (٣).

فإذا كان هذا هو مطلوب الشارع، فإزالة الخلوف بالاستياك يكون مشروعا في النفل؛ لأجل أن لا يُظهِر الصائم صيامه. وإنما قصرناه على النفل؛ لأن وجود الرياء في الفرض غير متصور؛ إذ الجميع متلبسون بالصيام، فلا وجه لحصول الرياء فيه.

الدليل الثاني: ولأن المستحب في النوافل الإخفاء، فلو ترك الصائم الاستياك، لم يُؤمَن أن تظهر رائحة الخُلوف من فيه، فيظهر للناس أنه صائم، فاستحِبَّ له إزالة تلك الرائحة بالاستياك؛ ليكون أبعد عن الرياء (٤).

الترجيح: الذي يترجح -إن شاء الله- في هذه المسألة هو القول الأول: أنه لا فرق بين صيام الفرض وصيام النفل؛ لعدم وجود دليل يفرق بينهما.

وأما قول أصحاب القول الثاني: إن إزالة الخُلوف بالاستياك يكون مشروعا في النفل؛ لأجل أن لا يُظهر الصائم صيامه، -وهذا بالطبع عند من يرون كراهة إزالة الخُلوف بعد الزوال-؛ فيجاب عنهم:


(١) رواه البخاري ٣/ ٢٦ رقم ١٩٠٤, كتاب الصوم, باب هل يقول إني صائم إذا شتم, ومسلم ٢/ ٨٠٦ رقم ١١٥١, كتاب الصيام, باب فضل الصيام.
(٢) الحديث القدسي: القُدْسي لغة: نسبة إلى القدس أي الطهر. اصطلاحا: هو ما نقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، مع إسناده إياه إلى ربه عز وجل. ينظر: لسان العرب ١٠/ ٣٩٦، تيسير مصطلح الحديث ص ١٥٨.
(٣) ينظر: إكمال المعلم ٤/ ١١٠.
(٤) ينظر: فتح العزيز بشرح الوجيز ٦/ ٤٢٣، وروضة الطالبين ٢/ ٣٦٨.

<<  <   >  >>