للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الثاني: قوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} (١).

وجه الاستدلال: أن النسيان ليس من كسب القلب، فلا يؤاخذ عليه الصائم (٢).

الدليل الثالث: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من نسي وهو صائم فأكل أو شَرِب, فليتم صومه، فإنما الله أطعمه وسقاه» (٣).

وفي رواية: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - , فقال: إني أكلت وشربت ناسيا وأنا صائم؟ فقال: «الله أطعمك وسقاك» (٤).

وجه الاستدلال من أربعة وجوه:

الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر من أكل أو شرب ناسيا بإتمام صومه؛ تخصيصا له بهذا الحكم بقوله: «من أكل أو شرب ناسيا» , فعلم أن هذا إتمام لصوم صحيح, إذ لو كان المراد به وجوب الإمساك؛ لم يكن بين العامد والناسي فرق (٥).

الثاني: أنه قال: «فليتم صومه» , وصومه هو الصوم الصحيح المجزئ, وقد أمر بإتمامه, فعُلِم أن الصوم الذي بعد الأكل تمام للصوم الذي قبله, ولو أراد وجوب الإمساك فقط؛ لقال: فليتم صياما, أو: فليصم بقية يومه ونحو ذلك (٦).

الثالث: أنه لم يأمره بالقضاء, وقد جاء مستفتيا له عما يجب عليه، شاكا في الأكل مع النسيان: هل يفسد أو لا يفسد؟ . ومعلوم أن القضاء لو كان واجبا، لذَكَره له؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة (٧).


(١) سورة البقرة: آية: ٢٢٥.
(٢) ينظر: فتح الباري ٤/ ١٥٧, نيل الأوطار ٤/ ٢٤٥.
(٣) رواه البخاري ٣/ ٣١ رقم ١٩٣٣, كتاب الصوم, باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا, ومسلم ٢/ ٨٠٩ رقم ١١٥٥, كتاب الصيام, باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر.
(٤) رواه أبو داوود ٢/ ٣١٥ رقم ٢٣٩٨, كتاب الصوم, باب من أكل ناسيا, وقال الألباني في صحيح أبي داود ٧/ ١٦١: "إسناده صحيح على شرط مسلم".
(٥) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام ١/ ٤٥٧.
(٦) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام ١/ ٤٥٧، وينظر: إحكام الأحكام ٢/ ١٢، عمدة القاري ١١/ ١٨.
(٧) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام ١/ ٤٥٧ - ٤٥٨، والحاوي الكبير ٣/ ٤٣١.

<<  <   >  >>