«هما فجران؛ فأما الفجر الذي كأنه ذَنَب السِرْحان (١)؛ فإنه لا يُحِلّ شيئا ولا يحرمه, وأما المستطير الذي يأخذ الأفق؛ فبه تحل الصلاة ويحرم الصيام» (٢).
وجه الاستدلال: نص الحديث على أن طلوع الفجر الصادق هو الذي به تحل الصلاة ويحرم الطعام (٣).
أدلة القول الثاني: القائلين بأن المعتبر في تحريم الأكل والشرب تبيّن الفجر.
الدليل الأول: قول الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (٤).
وجه الاستدلال: أن الله تعالى أباح الجِماع والأكل والشرب إلى أن يتبين لنا الفجر، ولم يقل تعالى: حتى يطلع الفجر، فلا يجب الصوم بطلوع الفجر ما لم يتبين للرائي (٥).
الدليل الثاني: عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن بلالا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم»، وكان رجل أعمى لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت (٦).
وجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أجاز الأكل إلى حين يؤذن ابن أم مكتوم, مع قوله: «لا يؤذن حتى يقال له أصبحتَ»، أي: طلع الفجر, ومعلوم أن من أكل حين تأذينه؛ فقد أكل بعد طلوع الفجر؛ لأنه لا بد أن يتأخر تأذينه عن طلوع الفجر ولو لحظة (٧).
(١) السِّرْحان: الذئب، وجمعه سَراحِين وسِرَاح، وعند بعضهم هو الأَسَد. وشُبِّه بذنب السرحان لاستطالته ودقته، وتسميه العرب الفجر الكاذب. ينظر: تهذيب اللغة ١٤/ ١٢، والنهاية ٢/ ٣٥٨، والمخصص ٢/ ٣٩٠.
(٢) رواه أبو داود في مراسيله ١/ ١٢٣ رقم ٩٧, باب ما جاء في الصوم, والدارقطني في السنن ٣/ ١١٥ رقم ٢١٨٤, كتاب الصيام, باب في وقت السحر, وقال: "هذا مرسل", والبيهقي في السنن الكبرى ٤/ ٣٦٤ رقم ٨٠٠٢, كتاب الصيام, باب الوقت الذي يحرم فيه الطعام على الصائم, وقال: "هذا مرسل، وقد روي موصولا بذكر جابر بن عبد الله فيه", وقال الألباني في السلسلة الصحيحة ٥/ ٨ رقم ٢٠٠٢: "إسناد جيد".
(٣) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام ١/ ٥٣١.
(٤) سورة البقرة: آية: ١٨٧.
(٥) ينظر: المحلى ٤/ ٣٦٦.
(٦) سبق تخريجه صفحة (٣٣٥).
(٧) ينظر: المحلى ٤/ ٣٦٨، شرح العمدة كتاب الصيام ١/ ٥٢٦.