للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بالآية فغير وجيه، لما تقدم من معنى الآية ووجوه الاستدلال منها في أدلة القول الأول, ومن جهة اللغة فإن العرب تسمي بياض الصبح أول ما يبدو خيطا قال شاعرهم:

فلما أَضاءَت لنا ظُلْمَة ... ولاحَ مَن الصُبحِ خَيْط أَنارَا (١)

فلم يبق لهم في الآية حجة لا من جهة الشرع ولا من جهة اللغة.

ثانيا: وأما استدلالهم بحديث حذيفة - رضي الله عنه - فيجاب عنه من وجهين:

الوجه الأول: أن هذا الحديث لا يصح مرفوعا، وإنما هو من فعل حذيفة - رضي الله عنه - , فلا يكون حديثه معارضا للأدلة الصريحة الصحيحة التي دلت على أن طلوع الفجر، يمنع من الأكل والشرب ونحوهما (٢).

الوجه الثاني: وعلى تقدير صحة رفعه: يكون هذا الحديث منسوخا (٣).

ويبينه ما جاء عن بلال (٤) - رضي الله عنه - أنه جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يتسحر, فقال: الصلاة. فذهب ثم رجع, فقال: الصلاة. ثم ذهب ثم رجع, فقال: يا رسول الله! لقد أصبحنا. فقال: «يرحم الله بلالا, لولا بلال؛ لرجونا أن يرخص لنا إلى طلوع الشمس» (٥).

ففي قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لرجونا أن يرخص لنا إلى طلوع الشمس»، دليل على أن التحديد بالفجر لم يكن مشروعا إذ ذاك، ثم نسخ بقوله تعالى: {مِنَ الْفَجْرِ}، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «حتى يؤذن ابن أم مكتوم» (٦).


(١) البيت لأبي دؤاد. ينظر: شرح الأبيات المشكلة ص ٣٣٥، والأصمعيات ص ١٩٠.
(٢) ينظر: تهذيب السنن لابن القيم ٦/ ٣٤١، وشرح معاني الآثار ٢/ ٥٢ - ٥٣.
(٣) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام ١/ ٥٣٢, وشرح معاني الآثار ٢/ ٥٢ - ٥٤.
(٤) هو: بلال بن رباح القرشي التيمي, المؤذن مولى أبى بكر, من السابقين الأولين، شهد بدرا، وأحدا، والمشاهد كلها. شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - على التعيين بالجنة، روى عنه: ابن عمر، وخلق، توفي بدمشق سنة ٢٠ هـ. ينظر: معرفة الصحابة ١/ ٣٧٣, الطبقات الكبرى ٣/ ٢٣٢, تهذيب الكمال ٤/ ٢٨٨.
(٥) أخرجه أبو داود في المراسيل ص ١٢٤ رقم ٩٨، باب ما جاء في الصوم, وعبد الرزاق في المصنف ٤/ ٢٣١ رقم ٧٦٠٨, باب تأخير السحور, وقال الحافظ في الفتح ٤/ ١٣٥: "رجاله ثقات", وقال الألباني في السلسلة الضعيفة ١٣/ ١٠١٧ رقم ٦٤٥٢: "ضعيف, مرسل منقطع".
(٦) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام ١/ ٥٣٢، وفتح الباري ٤/ ١٣٥.

<<  <   >  >>