للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال القاضي عياض: "وذهب مالك وأصحابه إلى التخيير في ذلك، إلا أنه استحب الإطعام، وعلى هذا نتأول قوله في المدونة، خلاف من ذهب إلى غير هذا في تأويله، وهو المنصوص له في غيرها" (١).

ولكن مبنى هذه المسألة على مسألة جواز التخيير أو وجوب الترتيب في الخصال الثلاثة، التي ستأتي معنا (٢) بعد هذه المسألة إن شاء الله. فلما كان الإمام مالك رحمه الله يقول بجواز التخيير في الخصال الثلاثة، وترجح عنده الإطعام لاعتبارات رآها، قَدَّمه على غيره.

وقد جاء ذلك صريحا عنه؛ فقد قال في المدونة: "قلت (أي سحنون): أرأيتَ ما كان من كفّارة في الإفطار في رمضان، لِم لا يحمله مالك مَحمَل كفارة الظهار، وإنما هو مثله عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا؟ . قال (أي ابن القاسم): وقال مالك: إنما مَحْمَل ذلك مَحْمَل كفّارة الأَيْمان، ولا يُحمَل مَحْمَل كفارة الظهار، ولم يكن يرى مالك أن يُكَفِّر من أَكَل في رمضان إلا بإطعامٍ، ويقول هو أَحَبُّ إلي من العتق والصيام" (٣).

فهذا النص صريح في أن الإمام مالك رحمه الله كان يرى جواز التخيير في الخصال الثلاثة، وأنه كان يحملها محمل كفارة الأيمان التي هي على التخيير، لا محمل كفارة الظهار التي هي على الترتيب، وأن الإطعام هو الأحب إليه، مع جواز العتق والصيام عنده (٤).

وبهذا تتحرر المسألة فيكون الخلاف فيها: هل يقدم الإطعام على غيره في كفارة الجماع في شهر رمضان؟ ، والخلاف فيها على قولين:

القول الأول: يقدم الإطعام على غيره في كفارة الجماع في شهر رمضان.

وهو قول: الإمام مالك (٥).


(١) إكمال المعلم ٤/ ٥٧.
(٢) صفحة (٣٩٠).
(٣) المدونة ٢/ ٣٢٣ - ٣٢٤.
(٤) وقد وضح ذلك غير واحد من أئمة المالكية. ينظر: المعونة ص ٤٧٨، وإكمال المعلم ٤/ ٥٧, ومناهج التحصيل ٢/ ١٤٧.
(٥) المدونة ٢/ ٣٢٣ - ٣٢٤، الرسالة ص ٦١, الكافي ١/ ٣٤٢, المعونة ص ٤٧٨. واستحباب: تقديم الإطعام مطلقا على غيره هو المشهور من المذهب نص عليه غير واحد، وذُكر في المذهب أقوال أخرى. ينظر: التوضيح لخليل ٢/ ٤٤٠، شرح ابن ناجي التنوخي على الرسالة ١/ ٢٨٨.

<<  <   >  >>