للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الرابع: ولأن الصوم يضعف الحاج، ويمنعه الدعاء في هذا اليوم المُعَظَّم، الذي يستجاب فيه الدعاء في ذلك الموقف الشريف، الذي يقصد من كل فج عميق، رجاء فضل الله فيه، وإجابة دعائه به. وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة» (١)، فلهذا المعنى كان ترك الصوم فيه أفضل (٢).

أدلة القول الثاني: القائلين بأنه يستحب للحاج صوم يوم عرفة، إلا أن يضعفه عن الدعاء، فإن أضعفه عن الدعاء كره في حقه.

استدل أصحاب هذا القول بما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن صيامه يكفر سنتين، وحملوا ما ورد من النهي عن صيامه على من كان يضعفه الصوم.

الدليل الأول: عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده» (٣).

الدليل الثاني: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صوم يوم عرفة بعرفة» (٤).

وجه الاستدلال من الحديثين: إذا كان صوم يوم عرفة له هذا الفضل العظيم، فهو كذلك في حق الحاج إن كان لا يضعفه عن الوقوف، والدعاء لما فيه من الجمع بين القربتين.

وأما إن كان يضعفه عن الوقوف والدعاء والابتهال فيكره؛ لأن فضيلة صوم هذا اليوم مما يمكن استدراكها في غير هذه السنة، وأما فضيلة الوقوف والدعاء فيه فلا يستدرك في حق عامة الناس عادة إلا في العمر مرة واحدة؛ فكان إحرازها أولى (٥).

أدلة القول الثالث: القائلين بأنه يكره صوم يوم عرفة للحاج.


(١) رواه مالك في الموطأ ص ٢١٤ رقم ٣٢, وعنه البيهقي في الكبرى ٥/ ١٩٠ رقم ٩٤٧٣, وقال: "هذا مرسل وقد روى عن مالك بإسناد آخر موصولا ووصله ضعيف", وقال الألباني في مناسك الحج والعمرة ص ٢٩: "حديث حسن أو صحيح له طرق خرجتها في الصحيحة ١٥٠٣".
(٢) ينظر: المغني ٣/ ١٧٩، والحاوي الكبير ٣/ ٤٧٣.
(٣) سبق تخريجه صفحة (٤٢٠).
(٤) أخرجه أحمد ١٣/ ٤٠١ رقم ٨٠٣١، وأبو داود ٢/ ٣٢٦ رقم ٢٤٤٠، في الصيام باب في صوم عرفة بعرفة، وابن ماجه ١/ ٥٥١ رقم ١٧٣٢، في الصيام باب صيام يوم عرفة. وضعفه الألباني في الضعيفة ١/ ٥٨١ رقم ٤٠٤.
(٥) ينظر: بدائع الصنائع ٢/ ٧٩، معالم السنن ٢/ ١٣١.

<<  <   >  >>