للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما جعلهم: صيام داود أفضل في حق من كان حاله مثل حال عبد الله ابن عمرو - رضي الله عنه - , فيجاب عنه:

أن الذي ينبغي: "أن يجرى على ظاهر الحديث في تفضيل صيام داود - عليه السلام -، والسبب فيه: أن الأفعال متعارضة المصالح والمفاسد، وليس كل ذلك معلوما لنا ولا مُستحضَرا، وإذا تعارضت المصالح والمفاسد، فمقدار تأثير كل واحد منها في الحث والمنع غير مُحَقَق لنا. فالطريق حينئذ أن نُفَوِّض الأمر إلى صاحب الشرع، ونُجري على ما دل عليه ظاهر اللفظ، مع قوة الظاهر ههنا" (١).

رابعا: وأما استدلالهم بحديث «ضُيِّقت عليه جهنم» على أن المعنى ضُيِّقت عنه فلا يدخلها؛ لأن من ازداد لله عملا وطاعة، ازداد عند الله رفعة وعليه كرامة، فيجاب عنه من وجهين:

الوجه الأول: أن رواة الحديث إنما أوردوه لبيان التشديد على فاعل ذلك لا لبيان فضله (٢).

قال الأَثْرَم (٣): "قيل لأبي عبد الله: فَسَّر مُسَدَّد (٤) قول أبي موسى: «من صام الدهر ضُيِّقت عليه جهنم» فلا يدخلها, فضحك وقال: من قال هذا؟ ! فأين حديث عبد الله بن عمرو، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كَرِه ذلك" (٥).


(١) إحكام الأحكام ٢/ ٣١.
(٢) ينظر: المحلى ٤/ ٤٣٦.
(٣) هو: أحمد بن محمد بن هانئ الطائي، أو الكلبي الإسكافي، أبو بكر الأثرم البغدادي, صاحب الإمام أحمد, كان إماما من أهل الحفظ والإتقان، نقل عن أحمد مسائل كثيرة وصنفها ورتبها أبوابا, وكان أيضا من أهل العناية بالحديث, توفي سنة ٢٦١ هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء ١٢/ ٦٢٣؛ وطبقات الحنابلة ١/ ٦٦؛ تهذيب التهذيب ١/ ٧٩.
(٤) هو: مُسَدَّد بن مُسَرْهَد بن مسربل الأسدي، أبو الحسن البصري, هو أول من صنف (المسند) بالبصرة، كان حافظا حجة من الأئمة المصنفين الأثبات, توفي سنة ٢٢٨ هـ. ينظر: تهذيب التهذيب ١٠/ ١٠٩, السير ١٠/ ٥٩١, الأعلام ٧/ ٢١٥.
(٥) ينظر: المغني ٣/ ١٧٢، والشرح الكبير ٣/ ١١٠، وشرح العمدة كتاب الصيام ١/ ٥٣٩.

<<  <   >  >>