للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الراجح: الذي يترجح في هذه المسألة -والله أعلم- هو القول الثاني: كراهة صيام الدهر؛ وذلك لصحة أدلتهم، ولصراحتها في كراهة صيام الدهر ولوضوح وجوه الاستدلال من النصوص.

وأما ما استدل به أصحاب القول الأول فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بالآيتين على أن صيام الدهر أفضل لمن قوي عليه تكثيرا للحسنات, فيجاب عنه:

أن هذا الاستدلال قد يكون وجيها لو لم ترد نصوص تنهى عن صيام الدهر، وإلا لقيل باستحباب الإكثار من النوافل في أوقات النهي؛ تكثيرا للحسنات والباب واحد.

ثانيا: وأما قولهم: إن المشبه به أفضل من المشبه، فكان صيام الدهر أفضل من هذه المشبهات فيجاب عنه:

أن التشبيه لا يقتضي جواز المشبه به فضلا عن استحبابه, وإنما المراد حصول الثواب على تقدير مشروعية صيام ثلاثمائة وستين يوما. ومن المعلوم أن المكلف لا يجوز له صيام كل السنة، فلا يدل التشبيه على أفضلية المشبه به من كل وجه (١).

ثالثا: وأما استدلالهم بحديث حمزة ¢ على صيام الدهر, وأنه الأفضل في حقه, وأن الأفضل في حق ابن عمرو - رضي الله عنهما - صيام داود - عليه السلام -, فيجاب عنه:

أن حديث حمزة ¢ لا دلالة فيه على صيام الدهر؛ وذلك لأن سؤال حمزة ¢ إنما كان عن الصوم في السفر لا عن صوم الدهر، ولا يلزم من سرد الصيام صوم الدهر (٢)، بل المراد أنه كان كثير الصوم، كما وقع في رواية عنه. ويؤيد عدم الاستلزام ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنه كان يسرد الصوم» (٣). مع ما ثبت: «أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصم شهرا كاملا إلا رمضان» (٤) (٥).


(١) ينظر: فتح الباري ٤/ ٢٢٣، والسيل الجرار ص: ٢٩٦.
(٢) ينظر: فتح الباري ٤/ ٢٢٣.
(٣) أخرجه أحمد ٣٦/ ٨٥ رقم ٢١٧٥٣, والنسائي ٤/ ٢٠٢ رقم ٢٣٥٩, في الصيام, باب صوم النبي - صلى الله عليه وسلم - , من حديث أسامة بن زيد ¢, وقال الألباني في الإرواء ٤/ ١٠٣: "وهذا إسناد حسن".
(٤) أخرجه البخاري ٣/ ٣٩ رقم ١٩٧١, في الصوم باب ما يذكر من صوم النبي - صلى الله عليه وسلم - وإفطاره, ومسلم ٢/ ٨١١ رقم ١١٥٧, في الصيام باب صيام النبي - صلى الله عليه وسلم - في غير رمضان، من حديث ابن عباس.
(٥) ينظر: نيل الأوطار ٤/ ٣٠٢.

<<  <   >  >>