للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه الثاني: أن في حديث ابن عباس - رضي الله عنه -: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يفطر أيام البيض في حضر ولا في سفر»، دليل بَيِّن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يترك صيام هذه الأيام، وقد أكدها بكان التي تفيد الاستمرار (١)، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، والله أعلم.

ثانيا: وأما استدلالهم بعمل أهل المدينة، وما نقل عن الإمام مالك فيجاب عنه من وجهين:

الأول: أن الحديث إذا صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا قول لأحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وقد صح في ذلك أحاديث ولله الحمد والمنة.

الثاني: أن الإمام مالك نفسه كان يصوم أيام البيض, وإنما كره القول بها خشية أن يتتابع الناس على الأخذ بقوله فيظنها الجهال من الواجبات.

قال ابن رشد الجدّ: "وقد روي عن مالك: أنه كان يصوم الأيام البيض. وقد كتب إلى هارون الرشيد (٢) في رسالته، يحضه على صيام الأيام الغر, ويذكر الحديث فيها (٣)؛ فإنما كره في هذه الرواية صيامها، ولم يحض عليها مخافة أن يكثر العمل بذلك؛ لكثرة إسراع الناس إلى الأخذ بقوله، فيحسب ذلك من لا علم له من الواجبات" (٤). والله أعلم.


(١) ينظر: شرح تنقيح الفصول ص ١٨٩.
(٢) هو: هَارُون الرَّشِيد بن محمد المهدي ابن المنصور العباسي، أبو جعفر, خامس خلفاء الدولة العباسية في العراق وأشهرهم, كان شجاعاً كثير الحج والغزو, وكان يحب العلم وأهله، ولد بالريّ لما كان أبوه أميرا عليها, وبويع بالخلافة بعد وفاة أخيه الهادي سنة ١٧٠ هـ, وازدهرت الدولة في أيامه, توفي سنة ١٩٣ هـ. ينظر: تاريخ بغداد ١٦/ ٩, فوات الوفيات ٤/ ٢٢٥, الأعلام ٨/ ٦٢.
(٣) ينظر: رسالة إمام دار الهجرة تحقيق الشيخ عبد الكريم محمد مطيع الحمداوي ص ٧. وفيها قول الإمام مالك: "وصُمْ ثلاثةَ أيامٍ من كلِّ شهر، الثالثَ عشرَ والرابعَ عشرَ والخامسَ عشرَ، فإنه بلغني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ذلك صيامُ الدهر» ".
(٤) البيان والتحصيل ٢/ ٣٢٢.

<<  <   >  >>