للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجه الاستدلال: أن هذه الأحاديث كلها جاءت مطلقة؛ والإطلاق يقتضي نفي التعيين (١).

والأحاديث التي جاءت بتعيين أيام البيض لا تَثبُت (٢).

الدليل التاسع: ولأن أهل المدينة لم يكونوا يحددونها بأيام البيض.

قال ابن القاسم: "سئل مالك عن صيام الأيام الغر: يوم ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر، قال: "ما هذا ببلدنا". وكَرِهَ تَعمُّد صومها، وقال: "الأيام كلها لله عز وجل", وكَرِهَ أن يَجعلَ على نفسه صومَ يومٍ يؤقتُه أو شَهْرٍ" (٣).

الترجيح: الذي يترجح في هذه المسألة -والله أعلم- هو القول الأول: أنه يستحب صيام أيام البيض؛ وذلك لأن السُنَّة ثبتت في تعيينها، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بها وحث عليها بقوله وفعله، ووصى بها فتكون أولى من غيرها، وإن صام ثلاثة أيام من الشهر غير مقيدة فلا مانع منه أيضا، لكن الكلام هنا عن الأفضل.

وأما الجواب عن ما استدل به أصحاب القول الثاني فيكون بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بحديث عائشة والأحاديث التي جاءت مطلقة في صيام ثلاثة أيام من كل شهر- على كراهة تقييدها بأيام البيض، فيجاب عنه من وجهين:

الوجه الأول: أن الذي أمر به - صلى الله عليه وسلم -، وحث عليه ووصى به: وهو صيام أيام البيض أولى من غيره؛ كما مر معنا في أدلة القول الأول: أما هو - صلى الله عليه وسلم - فلعله كان يعرض له ما يشغله عن مراعاة ذلك، أو لئلا يظن تعينها، أو كان يفعل ذلك لبيان الجواز وكل ذلك في حقه أفضل، ولكن لمّا صح عنه - صلى الله عليه وسلم -، أنه اختار لمن أراد صوم ثلاثة أيام من كل شهر صيام أيام البيض، كان المستحب اختيار ما اختاره - صلى الله عليه وسلم - (٤).


(١) ينظر: التنبيه على مبادئ التوجيه ٢/ ٧٦٢.
(٢) ينظر: المنتقى للباجي ٢/ ٧٧.
(٣) النوادر والزيادات ٢/ ٧٥، البيان والتحصيل ٢/ ٣٢٢.
(٤) ينظر: فتح الباري ٤/ ٢٢٧, شرح مسلم للنووي ٨/ ٤٩, التوضيح لابن الملقن ١٣/ ٤٧٨، نيل الأوطار ٤/ ٣٠٠.

<<  <   >  >>