للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الأول: عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه صنع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه طعاما، فدعاهم، فلما دخلوا وضع الطعام، فقال رجل من القوم: إني صائم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «دعاكم أخوكم وتكلف لكم ثم تقول: إني صائم؟ , أفطر، ثم صم يوما مكانه إن شئت» (١).

وجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر من كان صائما -وأبا الفطر- بقطع صيامه، وإجابة دعوة أخيه، ولم يفرق - صلى الله عليه وسلم - بين من ينكسر قلبه بترك طعامه: فيؤكل عنده، وبين من يرضى بمجرد الحضور: فلا يؤكل عنده؛ بل جعل - صلى الله عليه وسلم - مجرد صُنعِ الطعام من أجل الضيف سببا في استحباب قطع صيام النفل؛ لإدخال السرور على أخيه المضيف.

قال ابن حجر: "فيه حجة لمن استحب له أن يخرج من صيامه لذلك" (٢)، أي لمجرد الدعوة.

الدليل الثاني: ولأن إتمام الصوم جائز فقط، أما الخروج منه وفطره عند صاحب الدعوة ففيه إدخال السرور على أخيه المسلم، وجبر قلبه بأكل طعامه فيكون مستحبا (٣).

الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: أنه إن كان يشق على صاحب الدعوة صومه فالمستحب الفطر وإلا فالصوم أفضل, خاصة إذا كانت الدعوة عامة والحضور فيها كثير؛ فالغالب أن صاحب الدعوة يرضى بمجرد الحضور، ويبينه أثر ابن عمر - رضي الله عنه - حيث: «كان إذا دعي إلى طعام وهو صائم أجاب، فإذا جاءوا بالمائدة وعليها الطعام مد يده ثم قال: «خذوا بسم الله»، فإذا أهوى القوم كف يده» (٤).

أو يكون الضيف ليس بينه وبين أصحاب الطعام كُلْفَة، كما مر معنا في حديث أم سُلَيْم - رضي الله عنها -، أو يكون وقت الإفطار قد قَرُب، فهذا كله يرجح البقاء على الصيام.

قال ابن حجر: "ويَبعُد إطلاق استحباب الفطر مع وجود الخلاف، ولا سيما إن كان وقت الإفطار قد قَرُب" (٥).


(١) سبق تخريجه صفحة (٥٠٠).
(٢) فتح الباري ٩/ ٢٤٨.
(٣) ينظر: الكافي لابن قدامة ٣/ ٧٩, المغني ٧/ ٢٧٩, شرح الزركشي ٥/ ٣٣٣.
(٤) رواه ابن أبي شيبة في المصنف ٢/ ٣١٨ رقم ٩٤٤١، كتاب الصيام, باب من كان يقول إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب.
(٥) فتح الباري ٩/ ٢٤٧.

<<  <   >  >>