للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيكون المعنى: لم يفرض الله عليكم صيام عاشوراء بعد فرض رمضان (١).

ولم يكن القصد من كلامه - رضي الله عنه - والله أعلم- الحديث عن كونه كان فرضا في أول الإسلام أو لم يكن, فيجمع بهذا بين قوله هذا، وبين الأدلة الصريحة التي دلت على وجوبه قبل فرض رمضان.

ثانيا: وأما استدلالهم بحديث ابن عباس - رضي الله عنه - وأن المسلمين كانوا يصومون يوم عاشوراء للشكر لا لفرض. فيجاب عنه من وجهين:

الوجه الأول: "يحتمل أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوجب صيامه بعد أن لم يكن واجبا" (٢).

الوجه الثاني -وهو الأولى-: أن يتأول قوله - صلى الله عليه وسلم -: «فصوموه» على أنه أراد: فصوموه واجبا كما كنتم تصومونه (٣).

وليس في هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ابتدأ الأمر بصيامه بقول اليهود، حتى يقال إنه - صلى الله عليه وسلم - صامه شكرا فيكون مستحبا، بل في حديث عائشة - رضي الله عنها - السابق التصريح بأنه كان يصومه قبل ذلك, فغاية ما في القصة أنه لم يحدث له بقول اليهود تجديد حكم (٤).

ولا مخالفة بينه وبين حديث عائشة - رضي الله عنها -: أن أهل الجاهلية كانوا يصومونه كما تقدم؛ إذ لا مانع من تَوارُد الفريقين على صيامه مع اختلاف السبب في ذلك (٥).

وقال ابن القيم -رادا على من أنكر وجوب صيام عاشوراء في أول الإسلام قبل فرض صيام رمضان-: "ويلزم من قال: إن صومه لم يكن واجبا، أحد الأمرين: إما أن يقول بترك استحبابه، فلم يبق مستحبا، أو يقول: هذا قاله عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - برأيه وخفي عليه استحباب صومه، وهذا بعيد؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - حثهم على صيامه، وأخبر أن صومه يكفر السنة الماضية، واستمر الصحابة على صيامه إلى حين وفاته، ولم يُروَ عنه حرف واحد بالنهي عنه وكراهة صومه، فعُلِم أن الذي تُرِك وجوبه لا استحبابه" (٦). والله أعلم.


(١) ينظر: إرشاد الساري ٣/ ٤٢٢.
(٢) ينظر: البيان والتحصيل ١٧/ ٣٢٤، وشرح مشكل الآثار ٦/ ٤٤.
(٣) ينظر: البيان والتحصيل ١٧/ ٣٢٥.
(٤) ينظر: فتح الباري ٤/ ٢٤٨.
(٥) ينظر: نيل الأوطار ٤/ ٢٨٨ - ٢٨٩.
(٦) زاد المعاد ٢/ ٦٨.

<<  <   >  >>