للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الثاني: عن ابن عباس - رضي الله عنه -، أنه قال: قَدِم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء, فسئلوا عن ذلك؟ فقالوا: هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى، وبني إسرائيل على فرعون، فنحن نصومه تعظيما له، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «نحن أولى بموسى منكم، فأَمَر بصومه» (١).

وجه الاستدلال: في الحديث دليل على أن المسلمين كانوا يصومون يوم عاشوراء للشكر؛ وما كان صيامه للشكر يكون اختيارا لا فرضا (٢).

قال ابن بطال: "وذلك أنه أخبر بالعلة التي من أجلها صامه النبي - عليه السلام - , وأنه إنما صامه شكرا لله في إظهاره موسى على فرعون؛ فدل ذلك على الاختيار لا على الفرض" (٣).

الترجيح: بعد عرض الأدلة ووجوه الاستدلال منها، الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: أن صيام يوم عاشوراء كان واجبا ثم نسخ وجوبه وصار سنة مؤكدة بعد فرض صيام رمضان؛ لقوة أدلتهم، وحديث عائشة - رضي الله عنها - واضح الدلالة في أن عاشوراء كان فرضا قبل فرض صيام رمضان ثم خُيِّر في صيامه بعد ذلك.

وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بقول معاوية - رضي الله عنه -: «لم يكتب عليكم صيامه»؛ وأنه يدل على أنه لم يكن واجبا قط لأن (لم) لنفي الماضي, فيجاب عنه:

أن المراد من قوله: «ولم يكتب عليكم صيامه» أي: صيام ذلك اليوم في ذلك العام، وليس في هذا نفي أن يكون قد كان كتب ذلك عليهم فيما تقدم ذلك العام من الأعوام ثم نسخ بعد ذلك، على ما تقدم من الأحاديث (٤).

والظاهر أن معاوية - رضي الله عنه - إنما قال هذا الكلام لأنه سمع من يوجب صيام يوم عاشوراء، أو يحرمه، أو يكرهه؛ فأراد إعلامهم بحكم صيامه, وأنه ليس بواجب، ولا محرم، ولا مكروه (٥).


(١) رواه البخاري ٣/ ٤٤ رقم ٢٠٠٤, في الصوم, باب صيام يوم عاشوراء, ومسلم ٢/ ٧٩٥ رقم ١١٣٠, في الصيام, باب صوم يوم عاشوراء, واللفظ له.
(٢) ينظر: شرح مشكل الآثار ٦/ ٤٤، ونخب الأفكار ٨/ ٤١٠.
(٣) شرح البخاري ٤/ ١٤١.
(٤) ينظر: المغني ٣/ ١٧٨، وكشاف القناع ٢/ ٣٣٩.
(٥) ينظر: شرح النووي على مسلم ٨/ ٨، والكواكب الدراري ٩/ ١٥٠, وإكمال المعلم ٤/ ٨١.

<<  <   >  >>