للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومثال ذلك: مسألة الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع, فإنه اختار القول بإجزاء إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مُدّ من أي الأنواع، وذلك بالرد على الحنفية, حيث قال -بعد توجيه صاحب كتاب فتح المُلْهِم (١) لأدلة الحنفية-: "قلت: دعوى التعدد مخدوشة لكونها خلاف الظاهر والأصل. وأما رواية أبي داود في قصة المظاهر ففي إسنادها محمد بن إسحاق وقد عنعن" (٢).

الثالث: الإيماء إلى الاختيار, وذلك أن لا ينص الشيخ في الاختيار ولا يرد على الأقوال الأخرى, بل يقوي ويرجح قولا في المسألة يلزم منه القول بالاختيار في مسألة أخرى, وهذا نادر جدا جدا كما في مسألة السترة بالخط, فإنه قال: "إن الأولى أن يكون الخط مقوسا مثل الهلال" (٣) , فيلزم من هذا القول بإجزاء السترة بالخط. والله أعلم.

وبالاعتبار الثاني: تقسيمها باعتبار قوة القول المختار, وتضعيف الأقوال الأخرى.

لا شك أن الاختيار له درجات من حيث القوة فأحيانا يقطع الشيخ المباركفوري بتصويب أحد الأقوال في المسألة بكل قوة وثقة, ويبطل الأقوال الأخرى, فيُضَعِّف الأقوال الأخرى تضعيفا شديدا, وأحيانا لا تتوفر له من الأدلة ما يجعله يبطل الأقوال الأخرى, ولا يكون في أدلة الأقوال الأخرى من الضعف ما يجعلها غير معتبرة أصلا, ولكن عند الموازنة بين أدلة تلك الأقوال تترجح كفة أحد الأقوال.

فنظرا لما سبق يمكن تقسيم الصيغ التي تم بها اختيار الشيخ المباركفوري من حيث قوة القول المختار, وتضعيف القول الآخر, إلى درجتين:


(١) كتاب: فتح الملهم شرح صحيح الإمام مسلم، للعلامة شبير أحمد العثماني الديوبندي ثم الباكستاني -رحمه الله- (١٣٠٥ - ١٣٦٩ هـ).
(٢) مرعاة المفاتيح ٦/ ٥٠٣.
(٣) ينظر: مرعاة المفاتيح ٢/ ٥٠١.

<<  <   >  >>