للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولا: أما استدلالهم بحديث: «فإذا كان العام المقبل إن شاء الله تعالى صمنا اليوم التاسع»،

فيجاب عنه من وجهين:

الوجه الأول: أن الحديث يدل على أنه كان يصوم العاشر، وأما التاسع فإنه لم يصمه (١).

قال النووي: "وهذا تصريح بأن الذي كان يصومه - صلى الله عليه وسلم - ليس هو التاسع، فتعين كونه العاشر" (٢).

الوجه الثاني: أن المقصود هو صيام اليوم التاسع مع العاشر، فيحصل بذلك مخالفة اليهود، لا إفراد التاسع وحده.

قال ابن رشد الجد: "لأنه يحتمل: «لأصومن التاسع مع العاشر» كيلا أقصد إلى صيامه بعينه دون أن أخلطه بغيره، كما يفعله اليهود" (٣).

ثانيا: وأما استدلالهم بقول ابن عباس - رضي الله عنه -: «فاعدد، وأصبح يوم التاسع صائما»، على أن ابن عباس - رضي الله عنه - يرى أن عاشوراء هو اليوم التاسع، فغير مُسَلَّم؛ لأن ابن عباس - رضي الله عنه - لم يجعل عاشوراء هو يوم التاسع، بل قال للسائل: صم اليوم التاسع, واكتفى بمعرفة السائل أن يوم عاشوراء هو العاشر (٤).

قال الشوكاني: "إن ابن عباس - رضي الله عنه - أرشد السائل له إلى اليوم الذي يصام فيه وهو التاسع, ولم يُجِب عليه بتعيين يوم عاشوراء أنه اليوم العاشر؛ لأن ذلك مما لا يُسْأَل عنه ولا يَتَعلّق بالسؤال عنه فائدة، فابن عباس لَمّا فهم من السائل أن مقصوده تعيين اليوم الذي يصام فيه أجاب عليه بأنه التاسع. وقوله: «نعم» بعد قول السائل: «أهكذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم»؟ ، بمعنى: نعم هكذا كان يصوم لو بقي؛ لأنه قد أَخبرَنا بذلك. ولا بد من هذا؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - مات قبل صوم التاسع" (٥).

ثالثا: وأما قولهم: إنه مأخوذ من إظماء الإبل، فيجاب عنه:

أنه معارض بأن الأصل في الاشتقاق الموافقة في المعنى، والعاشوراء من العشر، وهو المعروف عند أهل اللغة, وأما تقدير أخذه من إظماء الإبل فبعيد (٦). والله أعلم.


(١) ينظر: مواهب الجليل ٢/ ٤٠٣.
(٢) المجموع ٦/ ٣٨٣، وشرح مسلم ٨/ ١٢.
(٣) البيان والتحصيل ١٧/ ٣٢٥.
(٤) ينظر: التنوير شرح الجامع الصغير ٧/ ١٩٧، نخب الأفكار ٨/ ٤٠٨.
(٥) نيل الأوطار ٤/ ٢٨٧، وينظر: زاد المعاد ٢/ ٧٢.
(٦) ينظر: الذخيرة ٢/ ٥٣٠، المجموع ٦/ ٣٨٣، معجم مقاييس اللغة ٤/ ٣٢٦، والنهاية ٣/ ٢٤٠.

<<  <   >  >>