للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه الأول: أن مقصود ابن عباس - رضي الله عنه - ترك الصيام بعرفة لا مطلق الترك، ويؤيده ما جاء عن سعيد بن جبير: «أنه رأى ابن عباس - رضي الله عنه - مفطرا بعرفة يَأكل رُمانا» (١).

الوجه الثاني: وعلى التسليم بأن ابن عباس - رضي الله عنه - كان لا يرى صيام عرفة للحاج وغيره، فقد يكون ذلك بسبب أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أفطر يوم عرفة بعرفة, ولم يبلغه حديث فضل عرفة لغير الحاج من تكفير سنتين. وثبت عنده أن يوم عاشوراء قد رغب النبي - صلى الله عليه وسلم - في صيامه, وكان يتعهد الصحابة عنده, وأنه صامه وأمر بصيامه. من أجل ذلك كله, ترجح عنده أفضلية صيام يوم عاشوراء على غيره. ومما قد يبين أن ابن عباس - رضي الله عنه - لم يبلغه حديث فضل عرفة, ما جاء عن عطاء بن أبي رباح ومجاهد? أنهما قالا: «لم نكن نصوم يوم عرفة حتى أخبرنا عبد الكريم أبو أُمَيّة (٢) أن صيام يوم عرفة كفارة سنتين: السنة المستقبلة، والسنة الماضية» (٣).

وعطاء ومجاهد? من أخص تلاميذ ابن عباس - رضي الله عنه - (٤)، فلو كان عند ابن عباس - رضي الله عنه - علم بفضل صيام عرفة لما خفي عليهما ذلك. والله أعلم.


(١) رواه عبد الرزاق ٤/ ٢٨٢ رقم ٧٨١٦, في الصيام باب صيام يوم عرفة, واللفظ له, وأخرجه النسائي في السنن الكبرى ٣/ ٢٢٥ رقم ٢٨٢٨, في الصيام باب: إفطار يوم عرفة بعرفة, وأحمد في المسند ٣/ ٣٦٤ رقم ١٨٧٠, بلفظ: قال: أتيت على ابن عباس - رضي الله عنه - بعرفة وهو يأكل رمانا، فقال: "أفطر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة، وبعثت إليه أم الفضل بلبن، فشربه", وقال شعيب الأرنؤوط: "حديث صحيح".
(٢) هو: عبد الكريم بن أبي المخارق: قيس، وقيل: طارق، أبو أمية المعلّم البصري, نزيل مكة, روى عن: أنس بن مالك، وحسان بن بلال المزني، وطائفة. وعنه: مالك، وحماد بن سلمة، والسفيانان، وطائفة, توفي سنة ١٢٦ هـ. ينظر: تهذيب التهذيب ٦/ ٣٧٧, سير أعلام النبلاء ٦/ ٨٣.
(٣) رواه الفاكهي في أخبار مكة ٤/ ٣٢٥ رقم ٢٧٦٨, وقال المحقق: "إسناده صحيح".
(٤) ينظر في بيان أنهما من أخص تلاميذه: مجموع الفتاوى ١٣/ ٣٤٧.

<<  <   >  >>