للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: جواز التطوع قبل قضاء رمضان؛ لقوة ما استدلوا به؛ ولعدم وجود دليل يمنع ذلك.

ومع هذا فالأفضل تقديم قضاء رمضان على صيام النفل, وقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك في قوله: «من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر كله» (١). فهذا تلطف من الشارع الحكيم لكي يبادر العبد في قضاء رمضان في شوال, ثم يصوم الست من شوال وينال هذا الأجر العظيم.

وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فيجاب عنه:

أنه حديث لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. كما أن فيه نكارة؛ وذلك في قوله: «من أدرك رمضان وعليه من رمضان شيء -لم يقضه-، لم يتقبل منه» (٢).

ثانيا: وأما استدلالهم بوصية أبي بكر لعمر - رضي الله عنهما - , والتي فيها: «وإنه لا يقبل نافلة حتى تؤدي الفريضة» , فيجاب عنه:

أنه يلزمهم على هذا الفهم القول بتحريم صلاة النوافل والرَواتب قبل أداء صلاة الفريضة, فإن قالوا: هذه وقتها موسع، قيل لهم: وتلك وقتها موسع (٣).

وإنما معنى الأثر -والله أعلم- أن الله لا يتقبل من عباده النوافل وهم قد ضيعوا الفرائض.

قال أبو الوليد ابن رشد الجدّ: "وما جاء من أنه لا تقبل من أحد نافلة وعليه فريضة معناه -والله أعلم-: في الرجل يصلي النافلة في آخر وقت الفريضة، قبل أن يصلي الفريضة، فتفوته بذلك صلاة الفريضة. مثال ذلك: أن يترك صلاة الصبح إلى قرب طلوع الشمس، بمقدار ركعتين فيصلي ركعتي الفجر، أو غيرهما من النوافل، ويترك صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، أو يترك صلاة العصر إلى قرب مغيب الشمس، بمقدار أربع ركعات، فيتنفل، ويترك صلاة العصر حتى تغيب الشمس" (٤). والله أعلم.


(١) سبق تخريجه صفحة (٤٤٤).
(٢) ينظر: المغني ٣/ ١٥٤.
(٣) ينظر: الشرح الممتع ٦/ ٤٤٣
(٤) مسائل أبي الوليد ابن رشد الجد ٢/ ٨٩٢. وينظر: الفروع وتصحيح الفروع ٥/ ١١١.

<<  <   >  >>