للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث ذكر وجوب القضاء (١)، مع أن صيامه الذي قطعه كان نفلا.

الدليل الثالث: ولأنها عبادة, فلزمت بالشروع فيها ووجب القضاء بالخروج منها لغير عذر؛ كالحج, وقد اتفقوا على أن المفسد لحجة التطوع أن عليه القضاء, فالقياس على هذا الإجماع إيجاب القضاء على مفسد صومه عامدا، ويحقق التماثل بينها وبين الحج أن الله تعالى قال في آية الصوم: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (٢)، كما قال في آية الحج: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (٣) (٤).

الدليل الرابع: ولأن من شرع في صيام النفل ثم قطعه صار جانيا، فلزمه القضاء على جنايته (٥).

أدلة القول الثاني: القائلين بأنه لا يجب عليه القضاء.

الدليل الأول: عن أبي جحيفة - رضي الله عنه - قال: آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما، فقال: كل فإني صائم، فقال: ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم فنام ثم ذهب يقوم، فقال نم؛ فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قم الآن فصليا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر له ذلك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «صدق سلمان» (٦).

وجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقر سلمان على تفطير أبي الدرداء - رضي الله عنهما - , ولم يأمره بالقضاء، ولو كان القضاء واجبا لأمره؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز (٧).


(١) ينظر: شرح معاني الآثار ٢/ ١٠٩، وعمدة القاري ١١/ ٧٨.
(٢) سورة البقرة: آية: ١٨٧.
(٣) سورة البقرة: آية: ١٩٦.
(٤) ينظر: التمهيد ١٢/ ٨٠، والتوضيح لابن الملقن ١٣/ ٤٢٦، شرح العمدة كتاب الصيام ٢/ ٦١٥.
(٥) ينظر: المبسوط ٣/ ٧٠.
(٦) سبق تخريجه صفحة (٤٦٤).
(٧) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام ٢/ ٦٢٣، ونيل الأوطار ٤/ ٣٠٦، وتحفة الأحوذي ٣/ ٣٥٩.

<<  <   >  >>