للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن الماء لا يسبق الحلق في المضمضة والاستنشاق عادةً إلا عند المبالغة فيهما، والمبالغةُ منهي عنها في حق الصائم، فكان في مبالغته متعديا فلم يُعذر (١).

ثانيا: وأما قولهم: إن الشرع أذن له في السبب -الذي هو المضمضة والاستنشاق في الوضوء- فلم يؤاخذه بما نتج عنه، كالسراية عند إقامة الحدود، فإنها غير مضمونة, فيجاب عنه:

أن فِعله هذا نَتَج عن فعل منهي عنه، فكان كالمباشِر للفِعل؛ بدليل: أنه لو جَرَح إنسانا فمات، لم يُعذر، وكان فِعله ذلك كمباشرَة قَتْله (٢).

ثالثا: وأما قولهم: إن الفطر يقع تارة بما يصل إلى الجوف، وتارة بما ينفصل عنه. ثم تقرر أن ما ينفصل عنه بلا اختيار كالقيء والإنزال، لا يفطر، فكذلك ما وصل إليه من المضمضة والاستنشاق بالاختيار لا يفطر, فيجاب عنه:

أن هذا الدليل قد يكون لصالح أصحاب القول الأول، فيقال: إن الفطر يقع تارة بما يصل إلى الجوف، وتارة بما ينفصل عنه. ثم تقرر أن ما ينفصل عنه باختيار كالاستقاء والاستمناء يُفَطِّر، فكذلك ما وصل إليه من المضمضة والاستنشاق بالاختيار يُفَطِّر؛ وذلك أن المستقيء والمستمني قد باشرا السبب المنهي عنه الذي بسببه كان الفطر، والمُبالِغ في المضمضة والاستنشاق أيضا قد باشر السبب المنهي عنه الذي بسببه كان الفطر. والله أعلم.


(١) ينظر: بدائع الصنائع ٢/ ٩١, تحفة الفقهاء ١/ ٣٥٤.
(٢) ينظر: كفاية النبيه ٦/ ٣٢٢.

<<  <   >  >>