للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الأول: لأن فعله ذلك كان بغير اختياره؛ فكان مغلوبا عليه. ولأن الماء وصل إلى حلقه من غير قصد؛ فأشْبَه غبار الطريق إذا وصل إلى حلقه (١).

قال الماوردي: "أنه مغلوب على هذا الفعل؛ فصار بمثابة من أُكرِه على الأكل. ولأنه واصل إلى جوفه من غير قَصدِه، فوجب أن لا يفطر؛ أصله الذباب إذا طار إلى حَلقه" (٢).

الدليل الثاني: ولأن الشرع أَذِن له في السبب -الذي هو المضمضة والاستنشاق في الوضوء- فلم يؤاخذه بما نَتَج عنه، (كالسِراية) (٣) عند إقامة الحدود؛ فإنها غير مضمونة (٤).

الدليل الثالث: ولأن الفطر يقع تارة بما يصل إلى الجوف، وتارة بما ينفصل عنه. ثم تقرر أن ما ينفصل عنه بلا اختيار كالقيء والإنزال لا يفطر؛ فكذلك ما وصل إليه من المضمضة والاستنشاق بالاختيار لا يفطر (٥).

الترجيح: الذي يترجح في هذه المسألة -والله أعلم- هو القول الأول: أنه يفطر وعليه قضاء ذلك اليوم؛ لصحة أدلتهم، ولدلالتها على المطلوب, وحديث لقيط بن صبرة - رضي الله عنه - واضح الدلالة على ذلك؛ لأن استثناءه - صلى الله عليه وسلم - المبالغة حال الصوم من أجل الاحتراز عن فساد الصوم، وإلا لم يكن للاستثناء معنى كما قرَّره الكاساني (٦).

وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما قولهم: إن فعله ذلك كان بغير اختياره، فكان مغلوبا عليه. ولأن الماء وصل إلى حلقه، من غير قصد، فيجاب عنه:


(١) ينظر: المغني ٣/ ١٢٤, المنح الشافيات ١/ ٣٢٩, المحلى ٤/ ٣٤٩، المجموع ٦/ ٣٢٦.
(٢) الحاوي الكبير ٣/ ٤٥٨.
(٣) قال في المصباح المنير ١/ ٢٧٥: "قول الفقهاء سرى الجرح إلى النفس، معناه: دام ألمه حتى حدث منه الموت. وقطع كفه فسرى إلى ساعده، أي: تعدى أثر الجرح. وسرى التحريم، وسرى العتق، بمعنى التعدية. وهذه الألفاظ جارية على ألسنة الفقهاء وليس لها ذكر في الكتب المشهورة".
(٤) ينظر: شرح العمدة ١/ ٤٦٦ - ٤٦٧.
(٥) ينظر: الحاوي الكبير ٣/ ٤٥٨.
(٦) ينظر: بدائع الصنائع ٢/ ٩١.

<<  <   >  >>