للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجه الاستدلال: أنه - صلى الله عليه وسلم - شَبَّه القُبلة بالمضمضة، ووجه الشبه: أنه إذا قَبَّل فأنزل، بطل صومه؛ فكذلك إذا تَمَضْمَض فوصل إلى جوفه، بطل صومه، ويقاس الاستنشاق عليها (١).

قال ابن تيمية: "فشَبَّه القُبلة بالمضمضة في أن كُلّا منهما مقدمة لغيره، فإذا لم يحصل ذلك الغير لم يؤثر, فيجب إذا حصل ذلك الغير أن يؤثر. والمضمضة مقدمة الأكل, والقُبلة مقدمة الإنزال, ولولا أنهما مُستوِيان في الموضعين لَما حسُن قياس أحدهما بالآخر" (٢).

الدليل الثالث: أن أعرابيا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله عن الوضوء، فأراه الوضوء ثلاثا ثلاثا، ثم قال: «هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظَلَم» (٣).

وجه الاستدلال: أن من توضأ، فزاد على الثلاث في المضمضة والاستنشاق، فاعل لما نُهِي عنه بنص هذا الحديث، فإذا غلبه الماء في الرابعة، لم يُضمَن ما ترتَّب عن فِعله؛ لأنه ارتكب ما لم يؤذَن له فيه، فكان ضامنا لما أفسده (٤).

الدليل الرابع: ولأن المُبالَغة منهي عنها في الصوم، وما نَتَج عن سبب منهي عنه فهو كالمباشر لذلك السبب، والدليل عليه: أنه إذا جرح إنسانا فمات، جُعِل كأنه باشرَ قَتْلَه (٥).

الدليل الخامس: ولأن وصول الماء إلى الجوف وهو ذاكرٌ لصومه -وإن أَخطأَ في الفِعل-، ليس إلا لتقصير في الاحتراز، فيُناسِب الفساد؛ إذ فيه نوع إضافة إليه، بخلاف النسيان (٦).

الدليل السادس: ولأن الماء وصل بفعل منهي عنه، فأشبه التعمد (٧).

أدلة القول الثاني: القائلين بأنه لا يفطر وهو باقي على صيامه.


(١) ينظر: كفاية النبيه ٦/ ٣٢٢، والحاوي الكبير ٣/ ٤٥٨.
(٢) شرح العمدة ١/ ٤٦٩.
(٣) رواه النسائي ١/ ٨٨ رقم ١٤٠, في الطهارة باب: الاعتداء في الوضوء, وابن ماجه ١/ ١٤٦ رقم ٤٢٢, في الطهارة باب ما جاء في القصد في الوضوء وكراهية التعدي فيه, وأحمد ١١/ ٢٧٧ رقم ٦٦٨٤, وقال الألباني في السلسلة الصحيحة ٦/ ١١٩٦: "هذا إسناد حسن".
(٤) ينظر: شرح عمدة الفقه كتاب الصيام ١/ ٤٦٩، وبدائع الصنائع ٢/ ٩١.
(٥) ينظر: المجموع ٦/ ٣٢٦، كفاية النبيه ٦/ ٣٢٣.
(٦) ينظر: فتح القدير لابن الهمام ٢/ ٣٢٩.
(٧) ينظر: المغني ٣/ ١٢٤، والشرح الكبير ٣/ ٤٤.

<<  <   >  >>