للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الثاني: ولأن الحامل مريضة فلم يجب عليها إلا القضاء.

قال الإمام مالك -في الحامل-: "وأهل العلم يرون عليها القضاء كما قال الله عز وجل: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، ويرون ذلك مرضا من الأمراض مع الخوف على ولدها" (١).

الدليل الثالث: ولأنها مفطرة بعذر؛ كالحائض. ولأن إيجاب الفدية إنما يجب على وجه الهَتْك (٢)، فإذا لم يكن هتك لم يجب (٣).

وأما دليلهم على أن المرضع إذا خافت على ولدها فلها أن تفطر وتقضي وتفدي: أن العذر ليس لمصلحتها، وإنما هو لأجل غيرها، فضعف أمرها عن الحامل والمريض (٤).

الراجح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الثاني: أنه يجب عليهما القضاء فقط دون الإطعام؛ لأنهما في حكم المريض، ولم يوجِب الله سبحانه وتعالى الإطعام عليه، فكذلك هما. وأيضا فقد سَوّى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما وبين المسافر في وضع الصوم عنهم، ومعلوم أن المسافر يقضي ولا إطعام عليه، كما تقدم بيانه في وجه الاستدلال من حديث أنس بن مالك الكعبي ¢ في أدلة القول الثاني.

وأما الجواب عن أدلة الآخرين فيكون بما يلي:

أولا: أما الاستدلال بالآية على إيجاب الفدية على المرضع والحامل, فيجاب عنه:

أن الآية منسوخة؛ وأنها ليست في من لا يطيق الصوم, والدليل على ذلك قوله سبحانه وتعالى في آخر الآية: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} (٥)؛ لأنها لو كانت في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام والمرضع والحامل، لم يناسب أن يقال لهم: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}، مع أنهم لا يطيقون الصيام (٦).


(١) الموطأ ٣/ ٤٤٢ رقم ١٠٩٠, وعنه البيهقي في السنن الصغرى ٢/ ١٠٢ رقم ١٣٥٣.
(٢) الهَتْكُ: خَرْق السِّتْر عَمَّا وَرَاءَه، والاسْمُ الهُتْكة، والهَتِيكة: الفَضِيحَة. ينظر: النهاية ٥/ ٢٤٣, مختار الصحاح ص/٣٢٤.
(٣) ينظر: الإشراف للقاضي عبد الوهاب ١/ ٤٣٩.
(٤) ينظر: الإشراف للقاضي عبد الوهاب ١/ ٤٣٩.
(٥) سورة البقرة: آية: ١٨٤.
(٦) ينظر: فتح الباري ٨/ ١٨١.

<<  <   >  >>