للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن أبي ليلى: حَدَّثَنا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -: «نزل رمضان فشقّ عليهم، فكان من أطعم كل يوم مسكينا تَرَك الصوم ممن يطيقه، ورُخِّص لهم في ذلك، فنَسختها: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} فأُمِروا بالصوم» (١).

وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -، قرأ: {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} , قال: «هي منسوخة» (٢).

قال الجَصَّاص (٣): "ومن أبى ذلك من الفقهاء ذهب إلى أن ابن عباس وغيره ذكروا أن ذلك كان حكم سائر المُطيقين للصوم في إيجاب التخيير بين الصوم والفدية، وهو لا مَحالة قد يتناول الرجل الصحيح المُطيق للصوم، فغير جائز أن يتناول الحامل والمرضع؛ لأنهما غير مخيرتين؛ لأنهما: إما أن تَخافا، فعليهما الإفطار بلا تخيير، أو لا تَخافا، فعليهما الصيام بلا تخيير. وغير جائز أن تتناول الآية فريقين بحكم يقتضي ظاهرها إيجاب الفدية، ويكون المراد في أحد الفريقين التخيير بين الإطعام والصيام، وفي الفريق الآخر: إما الصيام على وجه الإيجاب بلا تخيير، أو الفدية بلا تخيير وقد تناولهما لفظ الآية على وجه واحد. فثبت بذلك أن الآية لم تتناول الحامل والمرضع. ويدل عليه أيضا في نسق التلاوة: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}، وليس ذلك بحكم الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما؛ لأن الصيام لا يكون خيرا لهما" (٤).

ثانيا: وأما من فرق بين الحامل والمرضع فأوجب الفدية على المرضع دون الحامل فيجاب عنه:

أن حديث أنس بن مالك الكعبي - رضي الله عنه - والذي فيه: «إن الله عز وجل وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم أو الصيام»، لم يفرق بينهما, بل جعل لهما نفس الحكم ألا وهو القضاء دون الفدية. والله أعلم.


(١) رواه البخاري معلقا ٣/ ٣٤, في الصوم, باب: {وعلى الذين يطيقونه فدية} , ووصله: البيهقي في السنن الكبرى ٤/ ٣٣٨ رقم ٧٩٠٢, في الصيام, باب ما كان عليه حال الصيام، وأبو داود ١/ ١٣٨ رقم ٥٠٦، في الصلاة, باب كيف الأذان، وصححه الألباني في صحيح أبي داود رقم ٥٢٣.
(٢) رواه البخاري ٣/ ٣٥ رقم ١٩٤٩, في الصوم, باب: {وعلى الذين يطيقونه فدية}.
(٣) هو: أبو بكر أحمد بن علي الرازي, المعروف بالجصاص, انتهت إليه رئاسة الحنفية في وقته, سكن بغداد ودرس بها, تفقه على: أبي سهل الزجاج, وأبي الحسن الكرخي، وتفقه عليه الكثيرون, توفي سنة ٣٧٠ هـ, من تصانيفه: أحكام القرآن؛ وشرح مختصر شيخه أبي الحسن الكرخي؛ وشرح الجامع الصغير. ينظر: تاج التراجم ص ٩٦, الجواهر المضية ١/ ٨٤؛ والأعلام ١/ ١٧١.
(٤) أحكام القرآن ١/ ٢٢٦.

<<  <   >  >>