للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجه الاستدلال: أن في هذه الأحاديث جواز صوم الولي عن الميت (١).

قال البيهقي: "فهذا الحديث قد صح، وهو صريح في جواز الصوم عن الميت، بعيد من التأويل، ومذهب إمامنا الشافعي اتباع السنة بعد ثبوتها، وترك ما يخالفها بعد صحتها. وهذه الأخبار ثابتة، ولا أعلم خلافا بين أهل الحديث في صحتها. فوجب على من سمعها اتباعها، ولا يسعه خلافها" (٢).

الدليل السادس: ولأنها عبادة يدخل في جبرانها المال، فصحت فيها النيابة كالحج. ودخول المال في جُبرانها يكون في إلزام المجامِع بالكفارة، وإطعام العاجز عن الصيام (٣).

الترجيح: الذي يترجح في هذه المسألة -والله أعلم- هو القول الثاني: أنه يشرع لأولياء الميت قضاء الصوم عن ميتهم، لكن الصوم لا يجِب على الولي؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - شَبَّهه بالدَيْن، ولا يجب على الولي قضاء دين الميت، وإنما يستحب أن يقضى عنه (٤)، خلاف ما رآه الظاهرية, ووافقهم عليه الشيخ المباركفوري من وجوب الصيام على أولياء الميت. وإنما ترجح هذا القول لأمور:

الأول: قوة أدلته، حيث جاءت أدلته نصية صريحة في الدلالة على صحة النيابة عن الميت في الصوم وبألفاظ لا تحتمل غير ذلك؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عائشة: «من مات وعليه صوم صام عنه وليه». وفي حديث بريدة - رضي الله عنه - قوله للمرأة التي سألت عن صوم شهر كان على أمها، وقد ماتت؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «صومي عنها».

الثاني: ضعف ما استدل به أصحاب القول الأول وبيان ذلك كالتالي:

أولا: أما استدلالهم بحديث عائشة - رضي الله عنها - وأنه مصروف عن ظاهره, فيجاب عنه:

بأنه صرف لللفظ عن ظاهره بغير دليل (٥).


(١) ينظر: شرح مسلم للنووي ٨/ ٢٦.
(٢) مختصر خلافيات البيهقي ٣/ ٦٩، وينظر: السنن الكبرى ٤/ ٤٢٩.
(٣) ينظر: الحاوي الكبير ١٥/ ٣١٣، المحلى ٤/ ٤٢١.
(٤) ينظر: المغني ٣/ ١٥٣.
(٥) ينظر: فتح الباري ٤/ ١٩٤.

<<  <   >  >>