للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أدلة القول الثاني: القائلين بأنه يكره الدخول في الاعتكاف مخافة أن لا يوفي شرطه.

الدليل الأول: ترك السلف الاعتكاف دليل على أنه ليس من القرب المرغب فيها.

قال الإمام مالك: "ولم يبلغني أن أحدا من السلف اعتكف إلا أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام (١)، وليس بحرام، ولا أراهم تركوه إلا لشدته عليهم؛ لأن ليله ونهاره سواء" (٢).

الدليل الثاني: أنه من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - , أي: كونه قربة, أما في حق غيره فمكروه مثل الوصال.

قال الإمام مالك: "ما زلت أفكر في ترك الصحابة الاعتكاف، وقد اعتكف النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى قبضه الله سبحانه، وهم أتبع الناس لأموره وآثاره، حتى أخذ بنفسي أنه كالوصال الذي نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقيل له: إنك تواصل، فقال: «إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني» (٣). وليس الاعتكاف بحرام" (٤).

الدليل الثالث: أن الإمام مالك منع الاعتكاف لأنه يرى أن قراءة العلم وتعليمه قربة لا تعدلها قربة، والمعتكف عنده ممنوع من قراءة العلم وتعليمه (٥).

قال ابن عبد البر: "قال مالك لا يشتمل المعتكف في مجالس أهل العلم ولا يكتب العلم" (٦)؛ لأنه من أسباب الدنيا، ولا يجوز له عند الإمام مالك أن يعمل من الدنيا إلا ضرورة الآدمية، وهي: الطعام، والشراب، ومآله. وقصر الاعتكاف على الذكر المجرد: كالصلاة، وقراءة القرآن، وذكر الله تعالى (٧).


(١) هو: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، القرشي المخزومي المدني, كان أحد الفقهاء السبعة، وكان ثقة فقيها عالما شيخا كثير الحديث, روى عن: أبيه, وأبي هريرة, وعائشة, وغيرهم رضي الله عنهم. وعنه: أولاده, والقاسم بن محمد بن عبد الرحمن, والزهري, وغيرهم, توفي سنة ٩٤ هـ وقيل غير ذلك. ينظر: الطبقات ٥/ ٢٠٧, سير أعلام النبلاء ٤/ ٤١٦, تهذيب التهذيب ١٢/ ٣٠.
(٢) التهذيب في اختصار المدونة ١/ ٣٨٩، جامع الأمهات ص: ١٨٠، الذخيرة ٢/ ٥٤١.
(٣) سبق تخريجه صفحة (٣٠٨).
(٤) النوادر والزيادات ٢/ ٨٩، التوضيح لخليل ٢/ ٤٦٢، الدر الثمين ص: ٤٩٠.
(٥) ينظر: التلقين ١/ ٧٦.
(٦) الاستذكار ٣/ ٣٩٢.
(٧) ينظر: المسالك ٤/ ٢٥٥، القبس ١/ ٥٣١ - ٥٣٢.

<<  <   >  >>