للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما القياس: فإنه من اعتقد أن من شرطه الصوم قال: لا يجوز اعتكاف ليلة، وإذا لم يجز اعتكافه ليلة فلا أقل من يوم وليلة؛ إذ انعقاد صوم النهار إنما يكون بالليل.

وأما الأثر المعارض: فما خرجه البخاري من أن عمر - رضي الله عنه - نذر أن يعتكف ليلة، «فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يفي بنذره» (١) " (٢).

أدلة القول الأول: القائلين بأنه ليس لأقل الاعتكاف زمان معين.

الدليل الأول: قوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (٣).

وجه الاستدلال: أن القرآن خاطب العرب بما يعرفونه من لغتهم، والاعتكاف في لغة العرب الإقامة. فكل إقامة في مسجد لله تعالى بنية التقرب إليه اعتكاف مما قل من الأزمان أو كثر، ولم يخص القرآن عددا من عدد، ولا وقتا من وقت (٤).

ولم يأتنا في الشرع في تقدير مدة الاعتكاف شيء يصلح للتمسك به، واللبث في المسجد والبقاء فيه يصدق على اليوم وبعضه، بل وعلى الساعة إذا صحب ذلك نية الاعتكاف (٥).

الدليل الثاني: عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، أنه قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أوف نذرك» , فاعتكف ليلة (٦).

وجه الاستدلال: أن في اعتكاف عمر - رضي الله عنه - ليلة رد على من حدد أقل الاعتكاف بيوم أو أكثر (٧).

الدليل الثالث: عن يَعلى بن أُمَيَّة (٨) - رضي الله عنه - قال: «إني لَأَمْكُث في المسجد الساعة، وما


(١) سبق تخريجه صفحة (٦٢٩).
(٢) بداية المجتهد ٢/ ٧٨.
(٣) سورة البقرة: آية: ١٨٧.
(٤) ينظر: المحلى ٣/ ٤١١.
(٥) ينظر: السيل الجرار ص ٢٩٣.
(٦) سبق تخريجه صفحة (٦٢٩).
(٧) ينظر: فتح الباري ٤/ ٢٧٥.
(٨) هو: يعلى بن أمية بن أبي عبيدة، أبو صفوان التميمي المكي, صحابي, أسلم بعد الفتح, وشهد الطائف وحنينا وتبوك، واستعمله: أبو بكر، وعمر, وعثمان. توفي سنة ٣٧ هـ. ينظر: الإصابة ٦/ ٥٣٨، والاستيعاب ٤/ ١٥٨٥، سير أعلام النبلاء ٣/ ١٠٠.

<<  <   >  >>