للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَمكُث إلا لأعتكف» (١).

أدلة القول الثاني: القائلين بأن أقله يوم وليلة.

الدليل الأول: عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بالجِعِرَّانة (٢)، بعد أن رجع من الطائف، فقال: يا رسول الله، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما في المسجد الحرام، فكيف ترى؟ قال: «اذهب فاعتكف يوما» (٣).

وفي رواية: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أوف نذرك» , فاعتَكَفَ ليلة (٤).

وجه الاستدلال: أن أصل هذا الحديث أن عمر - رضي الله عنه - قال: "إني نذرت أن أعتكف يوما وليلة في الجاهلية"، فنَقَل بعض الرُواة ذِكر الليلة وحدها، ونَقَل بعضهم ذِكر اليوم وحده، ويجوز للراوي أن ينقل بعض ما سمِع (٥).

ولما كان الاعتكاف اسما لغويا شرعيا، وجاء الشرع في حديث عمر - رضي الله عنه - بتقدير يوم وليلة؛ كان ذلك هو أقلّه (٦).

الدليل الثاني: ولأن الصوم يُشتَرَط مع الاعتكاف، والصوم لا يكون إلا في يوم كامل؛ فكذلك الاعتكاف لا يكون إلا في يوم كامل.

قال الباجي: "والدليل على ما نقوله: أن هذه عبادة مِن شرطها الصوم، وقد أجمعنا على أن الصوم لا يَتبعَّض ولا يكون أقل من يوم كامل؛ فوجب أن يكون أقل مدتها ما يصح فيه الصوم، وذلك يوم" (٧).


(١) رواه عبد الرزاق في المصنف ٤/ ٣٤٥ رقم ٨٠٠٦, كتاب الاعتكاف, باب الجوار والاعتكاف.
(٢) الجِعِرَّانة: في ضبطها روايتان: بكسر العين وتشديد الراء، وبسكنون العين وتخفيف الراء, وهي: ماء بين الطائف ومكة، وهي إلى مكة أقرب، نزلها النبي - صلى الله عليه وسلم -، لما قسم غنائم هوازن مرجعه من غزاة حنين, وأحرم منها. ينظر: معجم البلدان ص/١٤٢, المعالم الأثيرة ص/٩٠.
(٣) رواه مسلم ٣/ ١٢٧٧ رقم ١٦٥٦, كتاب الأيمان باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم.
(٤) سبق تخريجه صفحة (٦٢٩).
(٥) ينظر: شرح البخاري لابن بطال ٤/ ١٨٠، والتوضيح ١٣/ ٦٢٩, وعمدة القاري ١١/ ١٤١.
(٦) ينظر: أحكام القرآن لابن العربي ١/ ١٣٥.
(٧) المنتقى ٢/ ٨١.

<<  <   >  >>