للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الصنعاني (١): "فيه دليل على أن أول وقت الاعتكاف بعد صلاة الفجر، وهو ظاهر في ذلك" (٢).

الترجيح: الذي يترجح في هذه المسألة -والله أعلم- هو القول الأول: أن المعتكف يدخل إلى معتكفه قبل غروب الشمس؛ لأن بذلك تكتمل عدة العشر الليالي، وبغيره تكون عدتها ناقصة، وهو ما أفاده حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، وإن دخل معتكفه صبح عشرين، فهو الأفضل والأولى؛ لأنه أَوْلى ما حُمِل عليه حديث عائشة - رضي الله عنها -، فكان بالاعتماد أحرى (٣)، كما سيتبين -إن شاء الله- عند المناقشة في الصفحة الآتية.

وأما استدلال أصحاب القول الثاني بحديث عائشة - رضي الله عنها - على أن المعتكف يدخل معتكفه بعد صبح يوم الحادي والعشرين فيجاب عنه من وجوه:

الوجه الأول: أن الحديث محمول على أنه - صلى الله عليه وسلم - دخل المعتكف وانقطع فيه وتخلى بنفسه بعد صلاته الصبح، لا أن ذلك وقت ابتداء الاعتكاف، بل كان من قبل المغرب معتكفا لابثا في المسجد، فلما صلى الصبح انفرد (٤).

قال ابن دقيق العيد: "ولكنه أُوِّل على أن الاعتكاف كان موجودا، وأن دخوله في هذا الوقت لمعتكَفه للانفراد عن الناس بعد الاجتماع بهم في الصلاة، لا أنه كان ابتداء دخول المعتكَف، فيكون المراد بالمعتكَف هنا: الموضع الذي خصَّه بهذا، وأعدَّه له. ويُشعِر بذلك ما في هذه الرواية: «دخل مكانه الذي اعتكَف فيه» بلفظ الماضي" (٥).


(١) هو: محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد بن علي، الكحلاني، ثم الصنعاني, يعرف بالأمير الصنعاني. وُلد سنة ١٠٩٩ هـ, هو أحد أئمة اليمن المتأخرين, من مصنفاته: سبل السلام شرح بلوغ المرام؛ التنوير شرح الجامع الصغير للسيوطي. توفي بصنعاء سنة ١١٨٢ هـ. ينظر: البدر الطالع ٢/ ١٣٣ - ١٣٩, أبجد العلوم ٨٦٨, الأعلام ٦/ ٣٨.
(٢) سبل السلام ١/ ٥٩٤.
(٣) حاشية السندي على النسائي ٢/ ٤٤، وحاشيته على ابن ماجه ١/ ٥٣٩.
(٤) ينظر: شرح مسلم للنووي ٨/ ٦٩, وشرح المشكاة للطيبي ٥/ ١٦٣١, والتوضيح لابن الملقن ١٣/ ٦٤٥, وطرح التثريب ٤/ ١٦٨، وعمدة القاري ١١/ ١٤٨.
(٥) إحكام الأحكام ٢/ ٤١.

<<  <   >  >>