للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمعنى كلام ابن مسعود ¢: فلعلهم قد حَفِظوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إباحةَ ذلك، بعد أن كان جوازُه مقصورا على المساجد الثلاثة، ولعلهم أصابوا في فِعلهم ذلك, وأخطأت في إنكارك عليهم.

قال الطحاوي: "فتأملنا هذا الحديث، فوجدنا فيه: إخبار حُذَيفةَ ابنَ مسعودٍ أنه قد عَلِمَ ما ذَكَرَه له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - , وَتَرْكُ ابنِ مسعودٍ إنكارَ ذلك عليه، وجَوابُه إياه بما أجابه به في ذلك مِن قوله: (لعلهم حَفِظوا) نَسَخ ما قد ذَكَرْتَهُ من ذلك, وأصابوا فيما قد فَعلوا " (١).

الجواب الثاني: يُحمَل حديث حذيفة -وهذا أيضا على القول بصحة رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، على أن الاعتكاف في المساجد الثلاثة أفضل وأعظم أجرا من الاعتكاف في غيرها؛ لما لها من الفضل الكبير (٢).

قال الشيخ ابن عثيمين: "وإن صح هذا الحديث فالمراد به: لا اعتكاف تام، أي أن الاعتكاف في هذه المساجد أتم وأفضل من الاعتكاف في المساجد الأخرى، كما أن الصلاة فيها أفضل من الصلاة في المساجد الأخرى" (٣).

الجواب الثالث: أن الراجح أن هذا الكلام من قول حذيفة - رضي الله عنه - وليس مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك يُبيِّنه ما يلي:

أولا: أن أكثر الرواة رووه موقوفا على حذيفة - رضي الله عنه -، وهم أوثق ممن رفعه (٤).

ثانيا: وقوع الشك في الرواية المرفوعة ففي رواية: «إلا المسجد الحرام». وفي رواية: «إلا المساجد الثلاثة». وفي رواية: «مسجد جماعة» (٥).

وهذا الشك يضعف الاحتجاج بالحديث؛ لأن الشك لا يصدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.


(١) شرح مشكل الآثار ٧/ ٢٠١.
(٢) ينظر: أحكام القرآن للجصاص ١/ ٢٩٥، وبدائع الصنائع ٢/ ١١٣.
(٣) الشرح الممتع ٦/ ٥٠٢.
(٤) رواه عبد الرزاق في المصنف موقوفا ٤/ ٣٤٨ رقم ٨٠١٦، كتاب الاعتكاف, باب لا جوار إلا في مسجد جماعة، وابن أبي شيبة ٢/ ٣٣٧ رقم ٩٦٦٩، كتاب الصيام, من قال لا اعتكاف إلا في مسجد يجمع فيه، والطبراني في الكبير ٩/ ٣٠٢ رقم ٩٥١١.
(٥) تنظر الروايات بالشك في: السنن الكبرى للبيهقي رقم ٨٥٧٤، كتاب الصيام, باب الاعتكاف في المسجد, والمحلى ٣/ ٤٣١.

<<  <   >  >>