للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما ما استدل به أصحاب القولين الآخرين فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بحديث كريب مولى ابن عباس، فيجاب عنه:

أن الحجة في حديث ابن عباس - رضي الله عنه - في (المرفوع) (١) منه؛ لا في ما فهمه الناس من اجتهاده, وذلك في قوله: «هكذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -». وقصد ابن عباس بهذا الأمر -والله أعلم- قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تصوموا حتّى تروا الهلال، ولا تفطروا حتّى تروه، فإن غمّ عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين».

فهو لا يريد بقوله: «هكذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» أن عنده عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حديثا خاصا بهذه المسألة يدل على عدم الصيام. والدليل على أن ابن عباس قصد هذا الحديث قوله في آخر حديث كريب: «فلا نزال نصوم حتّى نكمل ثلاثين» (٢).

ثانيا: وأما استدلالهم بحديث ابن عمر وأبي هريرة - رضي الله عنهما -، فيجاب عنه:

أن الخطاب في تلك الأحاديث لا يختصّ بأهل ناحية على جهة الانفراد، بل هو خطاب لكلّ من يصلح له من المسلمين. فالاستدلال به على لزوم رؤية أهل بلد لغيرهم من أهل البلاد أظهر من الاستدلال به على عدم اللّزوم؛ لأنّه إذا رآه أهل بلد فقد رآه المسلمون، فيلزم غيرهم ما لزمهم (٣).

ثالثا: وأما من فَرَّق بين القرب والبعد، فإن تفريقه لا دليل عليه من الشرع، وإنما أنتجه الدليل العقلي، بدليل أنهم اختلفوا في الضابط الذي يعتبر به البعد والقرب, فمنهم من جعل الضابط هو اتحاد المطلع واختلافه، ومنهم من جعله اتحاد الإقليم واختلافه، ومنهم من جعله مسافة القصر (٤).

رابعا: وأما استدلالهم بالقياس على اختلاف مطالع الشمس فلا حجة فيه؛ لأن طلوع الشمس وغروبها يتكرر في كل يوم، ويشق مراعاته، ويلحق المشقة في اعتبار طلوعه وغروبه،


(١) المَرْفُوع: هو الحديث الذي أضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قولاً أو فعلاً. ينظر: الباعث الحثيث ص ٤٥.
(٢) ينظر: نيل الأوطار ٤/ ٢٣٠ - ٢٣١.
(٣) ينظر: المصدر السابق ٤/ ٢٣١.
(٤) ينظر: المجموع ٦/ ٢٧٣.

<<  <   >  >>