للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الثالث: القائلين بأنه إن كانت المسافة بين البلدين متقاربة لا تختلف المطالع لأجلها فحكمها حكم بلد واحد؛ فإذا رؤي الهلال في أحدهما وجب على أهل البلد الآخر الصيام، وإن تباعدا في المسافة لم يجب الصوم على أهل البلد الآخر.

الدليل الأول: حديث كريب السابق (١).

وجه الاستدلال من الحديث: أن المسافة بين المدينة والشام قد وجدت فيها مسافة القصر، واختلاف الإقْلِيم (٢)، واختلاف المطالع، واحتمال عدم الرّؤية؛ فلذلك لم يلتزم ابن عباس برؤية أهل الشام (٣).

الدليل الثاني: حديث: أغمي علينا هلال شوال فأصبحنا صياما، فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يفطروا ثم يخرجوا لعيدهم من الغد (٤).

وجه الاستدلال: أن الركب الذين شهدوا برؤية الهلال جاءوا آخر النهار، وقد كانوا رأوا الهلال بالأمس، ومع هذا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد اعتبر رؤيتهم؛ وذلك لاتحاد المطلع.

الدليل الثالث: لأنّ مطلع الذين رأوا الهلال هو نفسه مطلع الذين لم يروه، وإنما لم يره هؤلاء إما لتقصيرهم في التَّأَمُّل، أو لعارض، بخلاف مختلفي المطلع (٥).

الراجح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: عدم اعتبار اختلاف المطالع في ثبوت بدء الصوم وإن تباعدت البلدان، شريطة أن تكون الأقاليم والبلدان مشتركة في جزء من ليلة الرؤية.

وسبب ترجيح هذا القول: قوة أدلته، ودقة وجوه الاستدلال بها، ولتعليق الشارع الكريم عموم الحكم بمطلق الرؤية.


(١) سبق تخريجه ص: (٧٣).
(٢) الإقْلِيم: مأخوذ من قلامة الظفر لأنه قطعة من الأرض, وعند القدماء سبعة أقاليم, كإقليم الهند وإقليم اليمن, وغيرها من مناطق الأرض تكاد تتحد فيها الأحوال المناخية والنظم الاجتماعية. ينظر: مختار الصحاح ص/٢٥٩, المصباح المنير ٢/ ٥١٥, المعجم الوسيط ٢/ ٧٥٦.
(٣) ينظر: الفتاوى الفقهية الكبرى للهيتمي ٢/ ٥٧، وينظر: المُفْهِم للقرطبي ٣/ ١٤٢.
(٤) سبق تخريجه ص: (٧١).
(٥) ينظر: المجموع ٦/ ٢٧٣.

<<  <   >  >>