للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل السادس: ولأن المكلف عرف الشهر بدليل؛ فأَشبَه لو عَرَفه بالبَيِّنة (١).

الراجح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: أنه لا يعتبر الحساب دليلا يثبت به دخول الشهر؛ ولكن لا مانع من إنشاء المراصد كعامل مساعد على تحري الرؤية.

وقد جاء في قرار هيأة كبار العلماء: "إنشاء المراصد كعامل مساعد على تحري رؤية الهلال لا مانع منه شرعا" (٢). وسبب هذا الترجيح يرجع لأمور:

الأول: صحة ما استدلوا به، ولصراحته في أن الرؤيا لا تَعلُّق لها بالحساب, وإنما العبرة بالرؤية البصرية.

الثاني: ضعف ما استدل به أصحاب القول الثاني وبيان ذلك كما يلي:

أولا: أما استدلالهم بقوله تعالى: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}، فيجاب عنه:

أن معنى الاهتداء بالنجم في الآية: هو الاهتداء في الطرق في البر والبحر (٣).

قال قَتادَة (٤): «وإن الله تبارك وتعالى إنما خلق هذه النجوم لثلاث خصلات: جعلها زينة للسماء، وجعلها يُهْتَدى بها، وجعلها رجوما للشياطين. فمن تعاطى فيها غير ذلك: فَقَدَ رأيَه، وأخطأَ حظَه، وأضاعَ نصيبَه، وتَكَلَّفَ ما لا علم له به» (٥).

ثانيا: وأما تفريقهم بين رواية «فاقدروا له» بجعلها بمعنى قدروه بحساب المنازل، وأنه خطاب لمن خصه الله بهذا العلم ورواية «فأكملوا العدة» خطاب للعامة. فيجاب عنه من وجهين:

الوجه الأول: أن لفظة فاقدروا له جاءت مُفسَّرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مما لا يترك شكا أن المقصود منها الإتمام وذلك كما جاء بسند صحيح عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن


(١) ينظر المهذب ١/ ٣٣٠.
(٢) قرار رقم (١٠٨) وتاريخ ٢\ ١١\١٤٠٣ هـ.
(٣) ينظر: تفسير الطبري ١١/ ٥٦١، وتفسير الماوردي ٣/ ١٨٢، وتفسير الرازي ٢٠/ ١٩١.
(٤) هو: قَتادَة بن دِعامَة بن عكابة، أبو الخطاب السَدوسي البصري الضرير الأكمه, وهو حافظ عصره، قدوة المفسرين والمحدثين، روى عن: أنس بن مالك, وسعيد بن المسيب, وعكرمة. وعنه: مِسْعَر، وشُعبة، والأوزاعي, وخلق كثير, توفي سنة ١١٧ هـ بواسط. ينظر: الطبقات ٧/ ٢٢٩, سير أعلام النبلاء ٥/ ٢٦٩, تهذيب التهذيب ٨/ ٣٥٥.
(٥) تفسير الطبري ١٧/ ١٨٥.

<<  <   >  >>