للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما دليلهم على أنه لا تقبل شهادة الواحد إن كانت السماء مصحية فهو:

أن التفرد من بين الجم الغفير بالرؤية -مع توجههم طالبين لِما تَوجَّه هو إليه، مع فرض عدم المانع وسلامة الأبصار، وإن تفاوتت الأبصار في الحِدَّة-، ظاهر في غَلَطِه؛ قياسا على تَفرّد ناقل زيادة من بين سائر أهلِ مجلسٍ مشاركين له في السماع؛ فإن هذه الزيادة تُردّ، وإن كان ثقة (١).

قال الكاساني (٢): "أن خبر الواحد العدل إنما يقبل فيما لا يكذبه الظاهر، وههنا الظاهر يكذبه؛ لأن تفرده بالرؤية مع مساواة جماعة -لا يحصون- إياه في الأسباب الموصلة إلى الرؤية، وارتفاع الموانع، دليل كذبه، أو غلطه في الرؤية. وليس كذلك إذا كان بالسماء علة؛ لأن ذلك يمنع التساوي في الرؤية؛ لجواز أن قطعة من الغيم انشقت فظهر الهلال فرآه واحد ثم استتر بالغيم من ساعته قبل أن يراه غيره" (٣).

الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: أن شهادة الواحد العدل في رؤية هلال رمضان مقبولة؛ وذلك لقوة أدلة هذا القول، ولأن حديث عبد الله بن عمر والأعرابي - رضي الله عنهم -، دلّا على قبول شهادة الواحد في هلال رمضان.

وأما ما استدل به أصحاب القولين الآخرين فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} , فيجاب عنه:

أن الشارع اشترط شهادة عدلين في الحقوق؛ وذلك لحكمة واضحة وهي: أنَّ إلزام المُعَيَّن تتوقع فيه عداوة باطنية لم يَطَّلِع عليها الحاكم، فتبعث العدو على إلزام عدوه ما لم يكن لازما له, فاحتاط الشارع لذلك واشترط معه شاهدا آخر؛ إبعادا لهذا الاحتمال، فإذا اتفقا في المَقال قَرُب الصِدق جدا، بخلاف الشاهد الواحد (٤).


(١) ينظر: البحر الرائق ٢/ ٢٨٨.
(٢) هو: أبو بكر بن مسعود بن أحمد، علاء الدين الكاساني، من أئمة الحنفية, كان يسمى ملك العلماء, أخذ عن: علاء الدين السمرقندي, وشرح كتابه المشهور (تحفة الفقهاء) , توفي بحلب سنة ٥٨٧ هـ, من تصانيفه: بدائع الصنائع وهو شرح تحفة الفقهاء، والسلطان المبين في أصول الدين. ينظر: بغية الطلب ١٠/ ٤٣٤٧, الجواهر المضية ٢/ ٢٤٤؛ الأعلام ٢/ ٧٠.
(٣) بدائع الصنائع ٢/ ٨٠.
(٤) ينظر: الفروق ١/ ٦.

<<  <   >  >>