للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: شرح مقاصد القرآن الكريم عند ابن عاشور]

ذكر ابن عاشور مقاصد القرآن الكريم بإيجاز شديد في مقدمة كتابه التحرير والتنوير، بالإضافة إلى ما جاء متناثرا فيه. ولذا رأينا أن نتوسع قليلا في فهمها ونتطرق لكل مقصد بشيء من الشرح والتفصيل، مع إلقاء الضوء على بعض الأمثلة التي تدعمها.

[المطلب الأول: شرح مقصد إصلاح الإعتقاد وتعليم العقد الصحيح]

أول مقصد من مقاصد القرآن عند ابن عاشور هو إصلاح الإعتقاد وتعليم العقد الصحيح. وهو أهم المقاصد وأوسعها لأنه يرتبط بالعقيدة التي هي أساس العمل والدين. فأن صلحت صلح العمل وقُبل، وإن فسدت فسد العمل ولو كان صالحاً. ويؤخذ الإعتقاد الصحيح من الكتاب والسنة، وما كان عليه النبي صلى الله عليه وأصحابه. وهو الذي اتبعته الفرقة الناجية من أهل السنة والجماعة. والعقيدة في اللغة "مأخوذة من العقد، وهو نقيض الحل، وهو يدل على الشدة والوثوق، ومنه: عقد الشيء يعقده عقدا وانعقد وتعقد … وشرعاً هي ما يدين به الإنسان ربه وجمعها عقائد، والعقيدة الإسلامية مجموعة الأمور الدينية التي تجب على المسلم أن يصدق بها قلبه، وتطمئن إليها نفسه، وتكون يقينا عنده لا يمازجه شك ولا يخالطه ريب، فإن كان فيها ريب أو شك كانت ظنا لا عقيدة" (١). قال تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ) (٢). وهو الباب الذي ضلت فيه الفرق وهلك فيه الهالكون، وبطلت به الأعمال وذهبت به الفضائل، فصارت هباءً منثوراً. وذلك لأن فساد العقيدة يُفسِد العمل. قال تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) (٣). أي بطلت ولم يجدوا لها ثوابا.

ولقد نزل القرآن أول ما نزل لترسيخ مبادئ العقيدة ودعوة الناس لتوحيد الله تعالى ونبذ الشرك. وكان التوحيد من أهم محور القرآن المكي في قصار السور. حيث بقي الرسول بمكة ثلاثة عشر عاماً يدعو الناس له، ووجد ما وجد من كفار قريش الذين حاولوا التصدي له بكل السبل، فصبر حتى أذن الله له ولصحابته بالهجرة إلى المدينة.


(١) ملكاوي، محمد أحمد محمد عبد القادر خليل، عقيدة التوحيد في القرآن الكريم، تعريف العقيدة، مكتبة دار الزمان، الطبعة الأولى، ١٤٠٥ هـ - ١٩٨٥ م، صفحة ١٧ - ٢٠.
(٢) سورة المائدة، آية ٨٩.
(٣) سورة الفرقان، أية ٢٣.

<<  <   >  >>