للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الرابع: شرح مقصد سياسة الأمة]

سياسة الأمة مقصد عظيم من مقاصد القرآن الكريم عند ابن عاشور (١)، وبها يحصل صلاح الأمة وحفظ نظامها، ويستتب به أمن الدولة. وهذا ضرورة من ضرورات الحياة، حيث لا يستقيم أمر المسلمين إلا بإستقامة دولتهم، واستقرار أحوالها ونشر الأمن فيها. وقد أمرنا الله تعالى بالوحدة وعدم التفرق، والتمسك والاعتصام بكتاب الله تعالى لخدمة هذا المقصد. قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (٢). وهناك عدة عوامل تساعد على سياسة الأمة مثل طاعة ولاة الأمر والشورى والرفق بالرعية.

طاعة الله ورسوله ومحبتهما:

من أوامر القرآن الكريم طاعة الله وطاعة رسوله والنهي عن معصيتهما. قال تعالي: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) (٣). وفي هذا إرشاد إلى أن من أطاعهما فقد اهتدي لخيري الدنيا والآخرة. وقد كانت في طاعتهما سببا في الفتح الإسلامي الكبير وتطور الأمة الإسلامية وعلومها وحضارتها في وقت وجيز. قال: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) (٤). وتوعد الله تعالى من يخالف أمر الرسول بنار جهنم في قوله: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) (٥). ومما يساعد على سياسة الأمة ووحدتها وقوتها أن يكون الله ورسوله أحب إلى المسلم مما سواهما. وذلك لارتباط طاعتهما بقوة الإيمان والإخلاص لهذا الدين ولولاة المسلمين ونصرتهم وزيادة الترابط بين المسلمين ووحدتهم وحب الخير لهم. وهذا ما قويت به الدولة الإسلامية في العصور الأولى، حتى فُتِحت لها مشارق الارض ومغاربها.


(١) مقدمة التحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور، الطاهر ابن عاشور، جزء ١، صفحة ٣٨.
(٢) سورة آل عمران، آية ١٠٣.
(٣) سورة النور، آية ٥٩.
(٤) سورة المائدة، آية ٩٢.
(٥) سورة النساء، آية ١١٥.

<<  <   >  >>