للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجوب طاعة ولاة الأمر:

إن طاعة ولاة الأمر من أهم ما يدعم مقصد سياسة الأمة ويستقر بها الأمن في بلاد المسلمين ويستتب. قال تعالى: (فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ) (١). وتحقيق الأمن في أي أمة يساعد على تقدمها ونمائها. وقد رأينا بلادنا العربية عندما كانت تنعم بالأمن الداخلي، رغم بعض الأمور المنكرة التي كانت تحدث بين فترة وأخرى، كانت لا تزال في تطور ونماء. وعندما ذهب الاستقرار الداخلي ذهب معه التطور والنماء، وأصبحت شعوبها تركض وراء خبزة العيش بعد أن كانت تنعم به من الازدهار وطيب العيش. وسبب ذلك فقد الأمن والاستقرار بسبب الخروج على ولاة الأمر. فانقلب الحال من خير إلى شر، وبعد أن كان المواطن يشكو من قليل من المشاكل اليومية التي تواجهه، أصبح يشكو من الكثير منها. بل أصبح يصارع الحياة لأجل البقاء. ولذا أوجب الإسلام طاعة ولاة الامر على المسلمين، ما لم يُؤمروا بمعصية. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (٢). وقال رسول الله : (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية؛ فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) (٣). وبين النبي أن السمع والطاعة حق لرئيس الدولة ما لم يُرى منه كفرا بواح، وذلك في قوله: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) (٤). ولا يخفى على العاقل أن ولاة الأمر هم بشر مثلنا، وأنهم يبذلون جهدهم في الإصلاح. ورغم نجاحهم الجزئي، إلا إن التوفيق الكامل من عند الله. فعلى الأمة الصبر وعدم تحميلهم فوق ما يتحملون ويطيقون. وكل البشر خطاؤون، فالعفو عن الزلات والصبر على الهفوات منهم أهون بكثير من دمار البلاد وذهاب الأمن والاستقرار بالكامل.


(١) سورة المائدة، آية ٨٣.
(٢) سورة النساء، آية ٥٩.
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، جزء ٩، صفحة ٦٣، حديث رقم ٢٩٥٥. وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، جزء ٦، صفحة ١٨، حديث رقم ١٨٣٩.
(٤) أخرجه بن باز في مجموع فتاوى بن باز (٢٥١/ ٢٨) وصححه.

<<  <   >  >>