للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمرهم شورى بينهم:

ومن دعائم مقصد سياسة الأمة الشورى، حيث هي من أهم أسباب وحدة الأمة وعدم تفرقها. قال تعال: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (١). ولا شك أن ولاة المسلمين لو اتبعوا هذا النهج لاستطاعوا من خلاله اتخاذ انجح القرارات وأصوبها للأمة. فبالشورى يتبين لصاحب الأمر أمور تكون خافية عليه ونواحي لم يفتح الله بها عليه بالتفكير فيها. ولذا وجه الله نبيه الكريم لاتباع مبدأ الشورى. قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (٢). أي لو كنت قاسي القلب وفظ معهم لذهبوا عنك ونفروا منك، ولكن عاملهم باللين واعف عنهم واستغفر لهم. وهذا توجيه له ، وهو أكمل الخلق ومُدَّعم بالوحي، فكيف بولاة المسلمين الذين هم بشرٌ عاديين وليس لهم وحي. أليس حريٌّ بهم أن يستفيدوا من مشاورة المسلمين بدلاً عن الاستبداد بالرأي.

العدل والإحسان والرفق بالرعية:

لقد أمر الله ولاة الامر بالعدل والإحسان والرفق بالرعية، وقد جاءت هذه التوجيهات متفرقة في كثير من الآيات والأحاديث. منها ما كان في شكل مخاطبة للنبي ، الذي علينا اتباعه، ومنها ما كان أمراً مباشر للمسلمين. فقد أمر الله تعالى نبيه بأن يخفض جناحه للمؤمنين، في قوله تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٣). وهي كناية عن التواضع والرفق ولين الجانب. وما أجمل الرفق في كل شيء. فهو مما رفع نبينا الكريم إلى أعلى الدرجات، وجعله أحب خلق الله إليه. والرفق من الصفات التي حث عليها ديننا الحنيف، وهو من أكثر ما يُحبب الرعية في ولاتها. قال : (من يحرم الرِّفق يحرم الخير) (٤). وقال: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه) (٥). فليس عليهم بذل جهد ولا مال، فقط رفق وكلمة طيبة وتلطّف بالرعية يكفي لكسب قلوب الناس. ويا ليت المسؤولين يتوقفوا هنا ويسمعوا


(١) سورة الشورى، آية ٣٨.
(٢) سورة آل عمران، آية ١٥٩.
(٣) سورة الشعراء، آية ٢١٥.
(٤) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق، جزء ٨، صفحة ٢٢، حديث رقم ٢٥٩٢.
(٥) أخرجه الالباني وصححه في صحيح الجامع (٥٦٥٤)، وأحمد (١٣٥٣١) باختلاف يسير، والبخاري في الأدب المفرد (٤٦٦) مختصرا، والبزار (٧٠٠٢) أوله في أثناء حديث.

<<  <   >  >>