للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما يقول رب البرية عن خير البرية، في قوله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (١). ففيها رسالة قيمة ووصفة سحرية توفر عليهم مصروفات السجون وتعذيب المعارضين والعلماء. كما أن الولاة مأمورون بالعدل والإحسان مثل بقية الأمة، بل هم أولى بها، إذ يتولون أمور الرعية والقضاء بينهم. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَائِ ذِى الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْىِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٢). وقال : (كلكم راع وكلكم مسئول، فالإمام راع وهو مسئول، والرجل راع على أهله وهو مسئول، والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسئولة، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول) (٣). وقد كان رسول الله نعم القائد ونعم الولي. وكان رحيما بأمته رفيقاً بهم، لم يعذب صحابته ولم يرهبهم ليطيعوه أو ينقادوا إليه. بل كان لين الجانب، كريم الخلق، بالمؤمنين رؤوف رحيم. قال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (٤). ورغم كل هذا الكم من الآيات والأحاديث في هذا الشأن، إلا ان مظاهر القسوة والإرهاب لا تزال تتفشى في بلاد المسلمين من حكوماتهم. والادهى أن يكون هؤلاء الرؤساء ممن ينتمون لديننا، ويتكلمون بلغتنا، ولكن ليس في قلوبهم رحمة بالمسلمين. فنجد السجون تعج بمن قال كلمة حق، ومنهم من جوَّع رعيته وسرق مال الدولة، وآخر عذَّبهم وخرَّب بيوتهم وقطَّع أيديهم، أو أرسل صواريخه وقتلهم بالجوع، والكثير الكثير مما يعتصر القلب لذكره. ويا ليت رسول الله كان بيننا ليرى ما وصل إليه الحال ومما بكت له القلوب ودمعت له العيون وفُطِرت عليه الاكباد. وربما إنتشار الذنوب والمعاصي هي سبب هذا البلاء، وعلى المسلمين التوبة والرجوع إلى الله، حتى لا يسلِّط الله عليهم من لا يخافه ولا يرحمهم.


(١) سورة آل عمران، آية ١٥٩.
(٢) سورة النحل، آية ٩٠.
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر، كتاب النكاح، باب: ﴿قوا أنفسكم وأهيلكم نارا﴾، جزء ٨، صفحة ١٩٨٨، حديث رقم ٥١٨٨. وأخرجه مسلم في صحيحه باختلاف يسير، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم، جزء ٣، صفحة ١٤٥٩، حديث رقم ١٨٢٩.
(٤) سورة التوبة، آية ١٢٨.

<<  <   >  >>