للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأن ينزل وحي من الله ليعرِّف الناس بالكيفية التي يعبدون بها الله، وهو الأحكام الشرعية، خاصها وعامها. وقد نزلت معظم الأحكام في السور المدنية، وأهمها احكام الحدود.

القرآن المكي والمدني وتشريع الحلال والحرام:

بدأ الوحي بنزول القرآن المكي، والذي كانت أهدافه هي ترسيخ العقيدة في النفوس وتثبيت مبدأ التوحيد ودعوة الناس إلى الإيمان بالله وحده وأن محمدا عبده ورسوله. كما دعاهم إلى نبذ الأوثان وإخلاص العبادة لله وحده وإلى الإيمان بالبعث والجزاء والحساب والجنة والنار والمعاد وغيرها من الأمور الغيبية. وقد استمرت إقامة الرسول في مكة قبل الهجرة ثلاثة عشر عام وهي مدة أطول من مدة إقامة النبي في المدينة، مما يدل على أهمية التوحيد وأنه الأصل الذي يبنى عليه الدين. قال تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) (١). ومن الأمثلة الأخرى التي ترسخ العقيدة ما جاء في سورة المعوذتين والكافرون والفيل وغيرها من السور المكية.

وبعد أن ترّسخت العقيدة في نفوس الناس وهاجر النبي وأصحابه إلى المدينة، واستقر أمر الإسلام وأصبح له دولة ومركز يعتمد عليه، بدأ نزول الأحكام التشريعية التي تبين للناس كيفية في العبادات كالصلاة، والزكاة، وغيرها. قال تعالى: (فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) (٢). وفي هذا تدريج للنفوس بقبول التشريعات والعمل بها، كما حدث في تحريم الخمر. وقد فهمت هذا الصديقة بنت الصديق بفطانتها على صغر سنها، فقالت: (إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدا) (٣). فساعد التدريج الناس على تسهيل القبول والتعود على الحكم الشرعي، كما ساعد على عدم تنفيرهم وإرتدادهم عن الحق.


(١) سورة الإخلاص، آية ١ - ٤.
(٢) سورة المجادلة، آية ١٣
(٣) أخرجه مسلم، عن عبد الله ابن مسعود، كتاب فضائل القرآن، باب تأليف القرآن، جزء ٦، صفحة ١٨٥، حديث رقم ٤٩٩٣.

<<  <   >  >>