للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عبادة الله بين الخوف والرجاء:

يجب على المؤمن أن يعبد الله بين الخوف والرجاء، فيكون وسط بين الطمع فيما عند الله من أجر، وبين الخوف من ناره وعذابه. فتتعادل المعادلة التي توازن بها كفتّي الميزان، ويتمكن بها المسلم من الحفاظ على سيره على عبادته في الطريق المستقيم الذي يقوده إلى جنة الله ورضوانه بأمان ويسر. قال تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (١). فالمؤمن لا يزال خائفاً من عذاب الله، وإن فعل ما فعل من عبادات. فليس هناك أمان منه، ولا ضمان للجنة، ولا يأمن من مكر الله إلا القوم الكافرون. وكذلك لا ينقطع رجاءه من رحمته وإن فعل ما فعل من الذنوب. وذلك لعلمه بصفات الله وأفعاله، وأنه تعالى عفوٌ غفورٌ، وأن رحمته وسعت كل شيء، وأنه يغفر مع التوحيد والتوبة كل الذنوب بإذنه تعالى. قال تعالى: (إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (٢). وجاء في الحديث الشريف: (قدم على رسول الله بسبي فإذا امرأة من السبي، تبتغي، إذا وجدت صبيا في السبي، أخذته فألصقته ببطنها وارضعته، فقال لنا رسول الله : أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ قلنا: لا، والله وهي تقدر على ألا تطرحه، فقال رسول الله : لله أرحم بعباده من هذه بولدها). ويقول الله ﷿ في الحديث القدسي: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد، ومن جاء بالسيئة فجزاؤه سيئة مثلها، أو أغفر ومن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة، ومن لقيني بقراب الارض خطيئة لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة). والله ينظر لقلوب العباد التي تنتهي بها النهايات والعبرة بالخواتيم. والأفضل للعبد في حياته تقوية جانب الخوف على الرجاء، وعند قرب أجله وقبل الموت فليقدم الرجاء على الخوف وقد أشار بذلك ابن القيم وبعض السلف. وهو مأخوذ من وصية رسول الله بحسن الظن بالله عن الموت. قال رسول الله : (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله ﷿ (٣). وكذلك للتحذير من سوء الظن بالله تعالى عند الموت حين ينقطع عمل العبد، ويكون حرى به أن يحسن الظن بالله. قال تعالى: (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِى ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِنَ الْخَاسِرِينَ) (٤). وأما الخوف من الله فهو أكبر وأكثر ذكرا


(١) سورة الأعراف، آية ٥٥.
(٢) سورة يوسف، آية ٨٧.
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت، جزء ٤، صفحة ٢١٠٩، حديث رقم ٢٧٥٤. وأخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، جزء ٥، صفحة ٢٢٣٥، حديث رقم ٥٦٥٣.
(٤) سورة فصلت، آية ٢٣.

<<  <   >  >>