للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقولِ الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦].



في هذه الآية جاء الاستثناء بعد النفي؛ وذلك يفيد القصر والحصر، واللام في قوله: {لِيَعْبُدُونِ} هي لام التعليل وتسمى (لام الحكمة)، والمعنى: أن الحكمة من خلق الله للجن والإنس، هي عبادته سبحانه، وليست الحكمة من خلقهم نفع الله؛ ولهذا قال سبحانه في الآية التي بعدها: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات: ٥٧].
وقد ذكر المفسرون في معنى هذه الآية تسعة أقوال، أصحها ما ذكره الشنقيطي - رحمه الله - بقوله: «التحقيق إن شاء الله في معنى هذه الآية الكريمة {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، أي: إلا لآمرهم بعبادتي وأبتليهم أي أختبرهم بالتكاليف ثم أجازيهم على أعمالهم، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشرٌّ» - وذكر الآيات الدالة على ذلك، ومنها قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: ٢]- ثم قال: «فتصريحه جل وعلا في هذه الآيات المذكورة بأن حكمة خلقه للخلق، هي ابتلاؤهم أيهم أحسن عملًا، يفسر قوله: {لِيَعْبُدُونِ} وخير ما يفسر به القرآن: القرآن» (١).
والعبادة لغة: الطاعة مع الخضوع والتَّذلُّل، ومنه طريق مُعَبَّدٌ أي: مذلل بالأقدام (٢).
وقد عرف العلماء العبادة في الشرع بتعريفات كثيرة، من أحسنها وأشملها، تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية لها، حيث قال: «العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال، الباطنة والظاهرة» (٣).

<<  <   >  >>