للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَهَذَا هُوَ ظَنُّ السَّوءِ الَّذِي ظَنَّهُ المُنَافِقُونَ وَالمُشركُونَ فِي سُورَةِ الفَتْحِ. وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا ظَنَّ السَّوءِ؛ لأَنَّهُ ظَنَّ غَيْرَ مَا يَلِيقُ بِهِ سُبْحَانَهُ وَمَا يَلِيقُ بِحِكْمَتِهِ وَحَمْدِهِ وَوَعْدِهِ الصَّادِقِ. فَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُدِيلُ البَاطِلَ عَلَى الحَقِّ إِدَالَةً مُسْتَقِرَّةً يَضْمَحِلُّ مَعَهَا الحَقِّ، أَوْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ مَا جَرَى بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، أَوْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ قَدَرُهُ لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا الحَمْدَ، بَلْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ لِمَشيئَةٍ مُجَرَّدَةٍ، فَذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا، فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ.

وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَظُنُّونَ بالله ظَنَّ السَّوْءِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِمْ، وَفِيمَا يَفْعَلُهُ بِغَيْرِهِمْ. وَلَا يَسْلَمُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ عَرَفَ اللهَ وَأَسْمَاءَهُ وَصِفَاتِهُ وَمُوجِبَ حِكْمَتِهِ وَحَمْدِهِ، فَلْيَعْتَنِ اللَّبِيبُ النَّاصِحُ لِنَفْسِهِ بِهَذَا، وَلْيَتُبْ إِلَى الله وَلْيَسْتَغْفِرْهُ مِنْ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ ظَنَّ السَّوْءِ. وَلَوْ فَتَّشْتَ مَنْ فَتَّشْتَ لَرَأَيْتَ عِنْدَهُ تَعَنُّتًا عَلَى القَدَرِ وَمَلَامَةً لَهُ، وَأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَا وَكَذَا، فَمُسْتَقِلٌّ وَمُسْتَكْثِرٌ، وَفَتِّشْ نَفْسَكَ: هَلْ أَنْتَ سَالِمٌ؟ .

فَإِنْ تَنْجُ مِنْهَا تَنْجُ مِنْ ذِي عَظِيمَةٍ ... وَإِلَّا فَإنِّي لَا إِخَالُكَ نَاجِيًا



هذا النص موجود في كتاب الزاد لابن القيم بتصرف (١)، وخلاصته ذم ثلاث طوائف:
الأولى: الذين يظنون أن الله يديل الباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها الحق؛ فهذا هو ظن المشركين والمنافقين في سورة الفتح، قال تعالى: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا} [الفتح: ١٢].

<<  <   >  >>