وقال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: ١١٦]. وأثنى سبحانه على القلة، فقال: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: ١٣]، وقال: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: ٢٤٩]. «إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي، فَقِيلَ لِي: هَذَا مُوسى وَقَوْمُهُ» قد يقال: كيف لم يعرف - صلى الله عليه وسلم - أمته، حيث ظن أنَّ قوم موسى - عليه السلام - هم أمته؟ وكيف يجمع بين هذا، وبين حديث أبي الدرداء، وفيه: «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله، كَيْفَ تَعْرِفُ أُمَّتَكَ مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ إِلَى أُمَّتِكَ؟ قَالَ: هُمْ غُرٌّ مُحَجَّلُونَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، لَيْسَ أَحَدٌ كَذَلِكَ غَيْرَهُمْ ... » (١)؟ والجواب: أن الأشخاص الذين رآهم في الأفق لا يدرك منهم إلا الكثرة من غير تمييز لأعيانهم، وأما ما في حديث أبي الدرداء فمحمول على ما إذا قربوا منه (٢). والسواد في الأصل: ضد البياض، والمراد هنا: الشخص الذي يرى من بعيد. وفي حديث ابن مسعود: «فَإِذَا الْأُفُقُ قَدْ سُدَّ بِوُجُوهِ الرِّجَالِ» (٣)، وفي لفظ للإمام أحمد: «فَرَأَيْت أُمَّتِي قَدْ مَلَئُوا السَّهْلَ وَالْجَبَلَ، فَأَعْجَبَنِي كَثْرَتُهُمْ وَهَيْئَتُهُمْ، فَقِيلَ أَرَضِيت يَا مُحَمَّدُ؟ قُلْت: نَعَمْ أَيْ رَبِّ» (٤).