مقصود الترجمة: أنه لما سبق الكلام عن التوحيد والحَثِّ عليه، وعن الشرك والتحذير منه، ناسب هنا بيان أنه لا ينبغي لمن عرف هذا الحق أن يقف به عند نفسه، بل عليه أن يدعو غيره إلى ذلك؛ لأن هذه سنة الأنبياء، وهو الواجب على كل من عرف التوحيد. وهذا الباب يتناسب في ترتيبه مع الأبواب السابقة، فإن المؤلف ذكر وجوب التوحيد وفضله، والحث عليه وعلى تكميله، والتحقق منه ظاهرًا وباطنًا، والخوف من ضده، وبذلك يكمل العبد نفسه. ثم ذكر في هذا الباب تكميله لغيره بالدعوة إلى شهادة (أن لا إله إلا الله)، فإنه لا يتم التوحيد حتى يكمل العبد جميع مراتبه ثم يسعى في تكميل غيره، وهذا هو طريق جميع الأنبياء (١). «وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ}» قال ابن كثير - رحمه الله -: «يقول الله تعالى لعبده ورسوله إلى الثقلين: الإنس والجن، آمرا له أن يخبر الناس أن هذه سبيله، أي طريقه ومسلكه وسنته، وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك، ويقين وبرهان، هو وكل من اتبعه، يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بصيرة ويقين وبرهان شرعي وعقلي» (٢). وذكر المصنف هذه الآية بعد الترجمة؛ لأن فيها الدعوة إلى الله وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كما بيَّن الإمام ابن كثير.