وقد اشتملت الآية السابقة على نفي، وإثبات: فقوله: {وَلَا تُشْرِكُوا} نفي في معنى (لا إله)، وقوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ} إثبات في معنى (إلا الله). والأمر بعبادة الله في قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ} يفيد النهي عن عبادة غيره؛ لأن من المقرر في علم الأصول: أن الأمر بالشيء نهيٌ عن ضده، ثم جاء النهي الصريح بعده بقوله: {وَلَا تُشْرِكُوا} من باب التأكيد. وقوله: {شَيْئًا} نكرة في سياق النهي، فتعم الشرك جميعه قليله وكثيره، صغيره وكبيره. وهذه الآية تسمى (آية الحقوق العشرة)؛ وذلك لأنها تضمنت عشرة حقوق {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}. وقد ذكر الله تعالى جميع الحقوق في هذه الآية بمفردها، ما عدا حقه سبحانه، فإنه أمر به ونهى عن ضده، وبدأ به الآية؛ لأنه أحق الحقوق، وما بعده مَبْنِيٌّ عليه. وقوله: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} تسمى هذه الآية: آية الوصايا العشر. وفي هذه الآية الكريمة يقول الله تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: قل يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام، الزاعمين أن الله حرم عليهم ما هم محرِّموه من حروثهم وأنعامهم، على ما ذكرت لك في تنزيلي عليك: تعالوا، أيها القوم، أقرأ عليكم ما حرم ربكم حقًّا يقينًا، لا الباطل تخرُّصًا، تخرُّصَكم =